من أدرك البلوغ وبين من تجاوزه بيسير ، وقد شبوا ونشاؤا في أحضان المدينة حتى إذا كشفت حرب كربلاء عن ساقها ، وبرزت كالحة عابسة شوهاء المنظر كريهة المخبر ، شمروا السواعد ، وشحذوا المرهفات القواطع ، وساقوا تلك الأبطال المحنكة والفرسان المجربة سوق الأغنام ، وفرت أمامهم كاليعافير أو الحمر المستنفرة ، وطاروا بين أيديهم طيران القطا والنعام المشرد ، وتفرقوا تفرق الجراد المنتشر ، ولو لا غلبة الأقدار ما كثرتهم تلك الجماهير ، ولا غلبتهم كثرة الجموع ، وقد علم حملة التاريخ والأثر وعلماء الأخبار والسير أنهم أفنوا جماهير أهل الكوفة ، وقد تركوا في كلّ حي من أحيائها نائحة وفي كلّ بيت من بيوتها صارخة :
آل علي يوم طف كربلا |
|
قد تركوا في كل دار نائحة |
من دخل الكوفة لم يسمع بها |
|
في سائر الاحياء إلّا صائحة |
قد خلد التاريخ للحشر لهم |
|
أعمال مجد وفعالاً صالحة |
فيا لها فادحة خالدة |
|
قد أنست الشيعة كل فادحة |
أولئك الشبان المنعمون من أهل البيت النبوي أظهروا البسالة والشجاعة ما أدهش الأبطال المجربة والشجعان الخبراء بفن البطولة.
وبقية الفقرة تصف ثبات جعفر الأكبر في ساحات الوغى وغبار المعمعة ، وتذكر أنهم ما قتلوه إلّا تكاثروا عليه واحتوشوه من كلّ مكان ، والكثرة مهما كانت فان لها الغلبة وفي المثل الشعبي «الكثرة تأخذ البصرة».
حكى جعفر في كربلا بأس جعفر |
|
كما قد حكى بالضرب والده القرما |
وأدى حقوق المجد والفخر من حكى |
|
بأفعاله الغر الأب القرم والعما (١) |
__________________
(١) بطل العلقمي : ٥١٤.