فلمّا انتهيت من صلاتي استيقظت زوجتي وهي تصلّي على محمد وآل محمد المرة تلو الأخرى وتقول : فداءً لك يا أبا الفضل العباس لقد شفيتني.
وبالفعل فقد بدأت آثار اليرقان تمحى ، وسرعان ما استعادت عافيتها بالكمال والتمام وعادت تزاول عملها في المنزل ، وتحنو على أطفالها وتقوم بواجب الأمومة لهم ، وصارت تتناول الطعام بشهية مفتوحة.
فسألتها عما جرى وكيف شوفيت؟
فقالت : نمت البارحة وأنا في أشدّ الاضطراب ، وأنا استغيث بأبي الفضل وأصرخ باسمه حتى غلبني النوم ، فرأيت فيما يرى النائم فلاة واسعة شاسعة تنتهي إلى ضفاف دجلة ، وكان دجلة نهر عريض طويل تحفه غابات النخيل ، وكان هناك قصراً فخماً ، رفيع البنيان ، عالي الأركان ، مؤلف من طابقين وعدة غرف وأروقة ، ورأيت الناس زرافات زرافات يتوجهون إلى القصر ويصرخون : يا أبا الفضل العباس.
فسألتهم : من أنتم؟ وأين تذهبون؟ ومن صاحب هذا القصر؟
فأجابوا كلمة واحدة : نحن جميعاً مرضى وذووا حاجات ، وهذا القصر الفخم هو مشفى أبي الفضل العباس ، وسيأتي الآن أبو الفضل إلى القصر فندخل عليه ، ونتوسل به ، ونطلب منه حاجاتنا.
فاتبعت الناس حتى وصلت إلى رواق القصر حائرة متعبة ، قد أنهكني المرض ، فقلت في نفسي : أين الآن سيدي أبو الفضل؟ هل هو في الطابق العلوي أم في الطابق الأرضي؟ فأخذت أكرر : سيدي مولاي يا أبا الفضل انظر لي نظرة وتوجه إليّ لحظة فأنا لا أدري أين أنت؟ وفي أي من غرف هذه البناية الضخمة؟
فجلست على الدرج أستريح ، فأطلّ عليّ من الطابق العلوي رجل معمم بعمامة خضراء ، يشع منه النور الباهر ، فانحنى ينظر إلى الطابق السفلي وقال :