وهكذا تصرمت السنين ومرت الأيام حتى انقضى عصر الأمويين والمروانيين الذين امتطوا صهوة الملك حيناً من الدهر وغرتهم الأماني ، فجالوا في زخارف الزمن الغدّار ، فلما طفح بهم الكيل وانقضت مدتهم اكتسح ميادينهم بنو العباس ، فخلو الصهوة والأمنيات ، وسلّموها لخلفهم بالحسرات ، فكان الخلف شراً من السلف ، ففعلوا الأفاعيل ، وارتكبوا الجرائم والجنايات ، وعجّ بهم الكون لما أنزلوه من الظلم الفادح ببني عمهم «بني هاشم» فقد لا يبالغ إن قيل أنّهم بيضوا وجوه بني أمية مع ملاحظة الظروف المحيطة بالقبيلين.
فقد طارد العباسيون ذرية رسول الله صلىاللهعليهوآله ولاحقوهم تحت كلّ حجر ومدر ، ولم يسلم من جورهم «سيد» من السادات وشريف من الشرفاء ، فوضعوهم في الاصطوانات ، وبنو عليهم قصورهم ، وكان من أشدهم «هارون الرشيد» الذي تسلّط بالجور والطغيان حتى امتدت يده الأثيمة إلى الامام البار الأمين موسى بن جعفر عليهالسلام ، فعذبه في سجونه ، ثم سقاه السم في نهاية المطاف ، فاستشهد الامام المعذّب في قعر السجون ، وانتقل إلى جوار أجداده الطاهرين.
ومع كلّ جوره وحنقه على أهل البيت عليهمالسلام وعداوته لهم إلّا أنّه صار سبباً لانكشاف قبر أمير المؤمنين عليهالسلام ، وقد يكون العدو سبب خير أحياناً :
روى المجلسي عن الخرائج قال : ومن معجزاته صلوات الله عليه أنّه قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يمسح الغبار عن وجهي وهو يقول : يا علي .. لا عليك .. لا عليك .. قد قضيت ما عليك ، فما مكث إلّا ثلاثاً حتى ضرب وقال الحسن والحسين عليهماالسلام : إذا متّ فاحملاني إلى «الغري» من نجف الكوفة ، واحملا آخر سريري فالملائكة يحملون أوله ، وأمرهما أن يدفناه هناك ويعفيا قبره ، لما يعلمه من دولة بني أمية بعده.