جليحة وعفك :
إن عشائر جليحة وعفك تمردت ولم تعط الرسوم الأميرية فأراد الوزير تأديبها فسير كتخداه بقوة كافية. خرج من بغداد في ٢٥ جمادى الثانية وذهب من طريق الجزيرة. ولما وصل نهر اليوسفية جاءه شيوخهم ومتميزوهم فألبسهم الخلع وقطع الميري على الطائفتين بمبلغ مائة وخمسين ألف قرش وأمر الرؤساء باستحصال المبالغ. وعلى هذا أذن لهم الكتخدا بالعودة ولكنه بقي في أطراف اليوسفية مدة فلم يرد إليه خبر ولا ظهرت علائم عن مجيئهم فعزم أن يهاجم عفكا وصار يضيق عليهم من أجل الميري فتيقن أن الحصول عليه غير ممكن ، وأن أراضيهم من كثرة المياه والأطيان والقرمات صعبة المرور. لذا ترك هؤلاء وتوجه نحو جليحة.
وهذه واقعة في جانب آخر من القرمات والأنهار وفيها من الموانع ما يصعب الوصول إليه وأنهم معتزون في أكبر الأهوار وأعمقها. تحصنوا بأماكن خاصة واتخذوا لهم (سيبايات) منيعة تمكنوا فيها ، فلم يلتفت الكتخدا لكل هذه المصاعب فسد بعض الأنهار واتخذ جسورا على القسم الآخر فاجتاز كل هذه الموانع وعبرها.
ولما قرب من مكانهم صال عليهم بمن معه من كل صوب وضيق عليهم ، أما هم فتأهبوا للقتال واشتعلت نيران الحرب وطال أمدها ، والعساكر لم تبق لهم تحملا للتنقل من مكان إلى آخر ولا وجدوا صبرا على المطاردات المتوالية والهجومات العديدة. ولذا أرسلوا ساداتهم للدخالة وطلبوا الأمان وتعهدوا بأداء الميري وعرضوا الطاعة.
وفي خلال بضعة أيام تمكنوا من جمع نصف الميري المطلوب منهم ، وأعطوا رهائن عن القسم الآخر فعفا عنهم الكتخدا وعاد الجيش. ولما وصل إلى منزل (حورية) أرسل رهائن جليحة إلى بغداد.