المماليك في بغداد :
حكم هؤلاء نحو المائة سنة وسلطة العراق بأيديهم. وكان الوزير حسن باشا نشأ في البلاط الملكي وأتقن الإدارة هناك فجعل له مؤسسات شبيهة بما تتألف منه العاصمة ، واتخذ لكل من هذه دوائر خاصة للتدريب بما هو أشبه بالمدارس ، وعين لها تقاليد. كان يشتري غلمانا كثيرين يهتم بأمر تربيتهم وتدريبهم للخدمة والانتفاع منهم لوظائف الحكومة. بل زاد على ترتيب حكومته لعلمه بخطر الينگچرية فاختار هذا التدبير. للقضاء على سلطة اولئك. ولم يستعن بالأهلين.
إن حسن باشا راعى هذه الطريقة في بغداد وبذر البذرة الأولى. درّب هؤلاء على الخدمة فتدرجوا على الرتب والمناصب ، وائتلفوا مع الأهلين وعاشوا معهم ، فكانوا أعرف بهم.
ثم اقتفى أحمد باشا أثر والده وزاد فكان أمراء بغداد في الإدارة والجيش منهم فسيطروا على القطر. ومن جهة أخرى جلبوا الأهلين لجانبهم ، فلم يستوفوا من الضرائب أكثر من المقرر ، ولم يظلموا الرعايا فهم أشبه بأتابكة الموصل ، فخلدوا ثقافة وآثارا مشهودة تثبيتا لمكانتهم.
أهمل الولاة التالون هذه الطريقة بل حاولوا القضاء على رجالها لما شعروا به من خطر على كيان الدولة.
ولما ولي بغداد هذا الوزير أحيا هذه الطريقة من جديد كما أن أخلافه مشوا على نهجه واقتدوا به إلى أن انقرضت حكومتهم عام ١٢٤٧ ه.
نال سليمان باشا الحكومة بقوة هؤلاء المماليك الذين تأسسوا أيام أحمد باشا المؤسس الحقيقي وإن كانوا صنيع والده استكثر منهم ووسع نطاقهم وقدر أن يستخدمهم لوظائفه ويستغني بهم عن الأهلين وعن الينگچرية وعن موظفي الدولة.