وبينا الوزير يحاول اطفاء فتنتهم والقضاء عليهم إذ انعزل عنهم سبعون بيرقا مع خالد آغا الكيكي (١) وجاؤوا إلى بغداد فاستخدمهم الوالي وجعل خالد آغا (باش آغا) رئيس كتيبة له وكسا الذين جاؤوا معه من البلوگباشية (رئيس رعيل) خلعا تشويقا لهم وترغيبا للباقين وعين خمسين بيرقا (رعيلا) من بيارقهم في الحلة وسيرهم إليها وأبقى العشرين بيرقا الأخرى في بغداد مع رئيس الكتيبة (باش آغا) إلا أنه لم يأمن شر هؤلاء ولذا لم يبعثهم إلى الخارج للتنكيل بالعصاة. فأراد تسكين الاضطراب ، أو التنكيل بالعصاة فطلب أن يأتيه أحمد باشا متصرف بابان بعساكره وسير محمد بك الشاوي لجذبه واقناعه.
وفي هذه الأثناء اشتد العصيان فلم يبق مجال لانتظار أحمد باشا. ولذا بعث كتخداه عثمان الكهية ومعه (دلي باشي) أي رئيس أدلاء وثلة من عسكره كما أن الحاج سليمان الشاوي كتب إلى عشيرة العبيد ليكون خيالتها بمعيته. ولما علم الكتخدا أن خيالة العبيد تحركوا من مكانهم نهض هو أيضا ليلا إلا أن أكثر أهل الميدان كانوا مع العصاة فأخبروهم أن عثمان الكهية خرج عليهم بشرذمة قليلة. وحينئذ عبر محمد الكهية وابن خليل بكل ما عندهم فهاجموا عثمان فجأة ليحولوا دون أن يتصل به العبيد لا سيما أن دلي باشي قد خان فانحاز بمن معه إلى جهة الأعداء. وكذا تبعثر الباقون ولم يرجع عثمان الكهية إلا بعد أن أبلى البلاء الحسن مقبلا مدبرا في حين أنه لم يبق معه سوى خمسة عشر أو عشرين فارسا. فورد بغداد ولم تظهر عليه علائم الهزيمة.
إن مجيئه إلى بغداد بهذه الحالة أحدث تشوشا وكانت القلعة إلى ذلك الحين في يد أهل الميدان وتحت حراستهم. ولكن لم يبق عليهم اعتماد فأخرجوا ووضع غيرهم من اللوند مكانهم. وأن عثمان الكهية قد
__________________
(١) نسبة إلى الكيكية عشيرة كردية (عشائر الشام ج ٢ ص ٣٢٠).