وهم أحرياء بذلك ، أليس قرى الأضياف سجيتهم ، ونحر العشار دأبهم وهجيراهم ـ لا مزقت أيدى الأدوار لهم أديما ، ولا أباحت لهم حريما ـ أفتراهم يحسنون قرى الأشباح فيخالفون فيه بين لون ولون وطعم وطعم ، ولا يحسنون قرى الأرواح فلا يخالفون فيه بين أسلوب وأسلوب وإيراد وإيراد ، فان الكلام المفيد عند الانسان لكن بالمعنى لا بالصورة أشهى غذاء لروحه وأطيب قرى لها» (١).
وأدخله ثانية فى علم البديع وعده من المحسنات المعنوية ، ولكنه لم يبحثه واكتفى بقوله : «وقد سبق ذكره فى علم المعانى» (٢). أما الزمخشرى فقد عدّه من البيان وإن كان لا يقصد به علم البيان الذى ضبطه السكاكى بتعريفه وإنما يريد به البيان بمعناه العام ، ولعل هذا الموقف أسلم من موقف السكاكى الذى تردد فيه فأدخله فى علم المعانى مرة وفى علم البديع تارة أخرى. وقد علل ابن يعقوب المغربى هذا التردد وبيّن مكان الالتفات فى كل علم بقوله : «فان قلت : لأى وجه خصص تسميته بعلماء المعانى مع أنّ عدّ الالتفات من البديع أقرب ، لأنّ حاصل ما فيه أنه يفيد الكلام ظرافة وحسن تطرية فيصغى إليه لظرافته وابتداعه ولا يكون الكلام به مطابقا لمقتضى الحال فلا يكون من علم المعانى فضلا عن كونه يختص بهم فيسمونه به دون أهل البديع؟.
قلت : أما كونه من الأحوال التى تذكر فى علم المعانى فصحيح كما إذا اقتضى المقام فائدته من طلب مزيد الاصغاء لكون الكلام سؤالا أو مدحا أو إقامه حجة أو غير ذلك ، فهو من هذا الوجه من علم المعانى. ومن جهة كونه شيئا ظريفا مستبدعا يكون من علم البديع. وكثيرا ما يوجد فى المعانى مثل هذا فليفهم ، وأما تخصيص علماء المعانى بالتسمية فلا حجر فيه ، والله أعلم» (٣).
__________________
(١) مفتاح العلوم ص ٩٥.
(٢) مفتاح العلوم ص ٢٠٢.
(٣) مواهب الفتاح ـ شروح التلخيص ج ١ ص ٤٦٤.