وكلام السكاكى لا يخرج عما ذكره الزمخشرى إلّا ما أضاف من أمثلة وشواهد شعرية ، كقول ربيعة بن مقروم :
بانت سعاد فأمسى القلب معمودا |
|
وأخلفتك ابنة الحرّ المواعيدا (١) |
فالتفت حيث لم يقل «وأخلفتنى» ، ثم قال :
ما لم ألاق امرءا جزلا مواهبه |
|
سهل الفناء ، رحيب الباع محمودا |
وقد سمعت بقوم يحمدون فلم |
|
أسمع بمثلك لا حلما ولا جودا |
فالتفت حيث لم يقل «بمثله».
وقال السكاكى بعد هذه الأمثلة وغيرها : «وأمثال ما ذكر أكثر من أن يضبطها القلم ، وهذا النوع قد يختص مواقعه بلطائف معان قلما تتضح إلّا لأفراد بلغائهم أو للحذاق المهرة فى هذا الفن والعلماء النحارير. ومتى اختص موقعه بشىء من ذلك كساه فضل بهاء ورونق وأورث السامع زيادة هزة ونشاط ووجد عنده من القبول أرفع منزلة ومحل إن كان ممن يسمع ويعقل» (٢)
وهذا أمر طبيعى فالزمخشرى لم يرد أن يبحث الالتفات ، وإنما تكلم عليه حينما جاء فى الآية الكريمة ، أما السكاكى فهدفه البحث فى هذا الأسلوب لا تفسير الآيات وما فيها من فنون بلاغية. والاتفاق بين الرجلين هو فى تحديد معناه وتعريفه ، وقد اتفقا على أنه نقل الكلام من أسلوب إلى أسلوب فمن الغيبة إلى الخطاب ، ومن الخطاب إلى الغيبة ، ومن الغيبة إلى المتكلم. واتفقا على أنّ نقل الكلام من أسلوب إلى آخر أدخل فى القبول عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه. ولكنه مع ذلك خالفه فى أمر واحد ، وهو أنه أدخل الالتفات فى علم المعانى وقال : «ويسمّى هذا النقل التفاتا عند علماء المعانى ، والعرب يستكثرون منه ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل فى القبول عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه وأملأ باستدرار إصغائه.
__________________
(١) المعمود : الموجع.
(٢) مفتاح العلوم ص ٩٦.