مصطلح «الانصراف» أو «الالتفات» أقرب إلى الدلالة وقد سار البلاغييون على مصطلح الالتفات ، وأصبح هذا الأسلوب ذا شعب كثيرة تحدث عنها بالتفصيل الزمخشرى فى تفسيره والسكاكى فى مفتاحه والقزوينى فى إيضاحه وابن الأثير فى المثل السائر والزركشى فى البرهان فى علوم القرآن. وكان هؤلاء من أكثر الذين عنوا بدراسة هذا الأسلوب ، وقال الزمخشرى عنه وهو يفسر قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(١) : «فان قلت لم عدل عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب؟ قلت : هذا يسمّى الالتفات فى البيان ، وقد يكون من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى التكلم ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ)(٢) ، وقوله تعالى : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ)(٣).
وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات فى ثلاثة أبيات :
تطاول ليلك بالإثمد |
|
ونام الخلىّ ولم ترقد |
وبات وباتت له ليلة |
|
كليلة ذى العائر الأرمد |
وذلك من نبأ جاءنى |
|
وخبرّته عن أبى الأسود |
وذلك على عادة افتتانهم فى الكلام وتصرفهم فيه ، ولأنّ الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع وإيقاظا للاصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد. وقد تختص مواقعه بفوائد ، ومما اختص به هذا الموضع أنه لما ذكر الحقيق بالحمد وأجرى عليه تلك الصفات العظام تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء وغاية الخضوع والاستعانة فى المهمات فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات فقيل : إياك من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة لا نعبد غيرك ولا نستعينه ليكون الخطاب أدل على أنّ العبادة له ، لذلك التميز الذى لا تحق العبادة إلّا به» (٤).
__________________
(١) الفاتحة ٥.
(٢) يونس ٢٢.
(٣) فاطر ٩.
(٤) الكشاف ج ١ ص ١١ ـ ١٢.