وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ، دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(١).
فقد التفت عن «كنتم» إلى «جرين بهم» لفائدة ، وهى أنّه ذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها كالمخبر لهم ، ويستدعى منهم الإنكار عليهم ، إذ لو استمر على خطابهم لفاتت الفائدة.
٥ ـ الالتفات من الغيبة إلى التكلم :
ومنه قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ)(٢). فقد التفت من الغيبة «سبحان الذى أسرى» إلى التكلم «الذى باركنا حوله».
ومنه : (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا)(٣). فقد التفت من الغيبة «وأوحى» ، إلى التكلم «وزينا».
٦ ـ الالتفات من الغيبة إلى الخطاب :
ومنه سورة الفاتحة فقد بدأها سبحانه بقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ثم انتقل إلى الخطاب فقال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وإنما عدل فيه من الغيبة إلى الخطاب لأنّ الحمد دون العبادة فلما صار إلى العبادة التى هى أخص الطاعات قال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فخاطب بالعبادة إصراحا بها وتقربا منه بالانتهاء إلى محدود منها.
ومنه قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا)(٤) ولم يقل «لقد جاءوا» للدلالة على أنّ من قال مثل قولهم ينبغى أن يكون موبخا عليه منكرا عليه قومه ، كأنه يخاطب به قوما حاضرين.
__________________
(١) يونس ٢٢.
(٢) الأسراء ١.
(٣) فصلت ١٢.
(٤) مريم ٨٨ ـ ٨٩.