ومما ينخرط فى هذا النوع الرجوع من خطاب الغيبة إلى خطاب النفس كقوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ. فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها. وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ، ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(١). وهذا رجوع من الغيبة إلى خطاب النفس فانه قال (وَزَيَّنَّا) بعد قوله (ثُمَّ اسْتَوى) وقوله (فَقَضاهُنَّ) و «أوحى».
ومما ورد فى الشعر قول أبى تمام :
وركب يساقون الركاب زجاجة |
|
من السّير لم تقصد بها كفّ قاطب (٢) |
فقد أكلوا منها الغوارب بالسّرى |
|
وصارت لها أشباحهم كالغوارب (٣) |
يصرّف مسراها جذيل مشارق |
|
إذا آبه همّ عذيق مغارب (٤) |
يرى بالكعاب الرّود طلعة ثائر |
|
وبالعرمس الوجناء غرّة آيب (٥) |
كأنّ بها ضغنا على كلّ جانب |
|
من الأرض أو شوقا إلى كل جانب (٦) |
__________________
(١) فصلت ١١ ـ ١٢.
(٢) الركب : جماعة الراكبين. القاطب : الذى يمزج الخمر بالماء.
(٣) الغارب : الكاهل. السرى : سير الليل.
(٤) الجذيل : تصغير جذل وهو عود ينصب لتحتك به الجمال الجربى.
العذيق : تصغير عذق وهو قنو النخلة. ويكنى بهذين الوصفين عن الرجل المحنك المجرب للأمور.
(٥) الكعاب : الفتاة. الرود : الناعمة. العرمس : الناقة. الوجناء : القوية.
(٦) الضغن : الحقد. يريد أنه كثير الترحال فهو إما كاره لجميع بقاع الأرض أو محب لها.