وبدر الدين ، لأنّه اتخذها مقدمة للبلاغة ، وفى هذه المقدمة التى كانت كشفا عن معنى الفصاحة والبلاغة وانحصار علم البلاغة فى المعانى والبيان ـ تكلم على صفات الألفاظ وما ينبغى أن تكون عليه. وكان بحثه إيذانا باتخاذ الفصاحة مقدمة لعلوم البلاغة بعد أن كانت موضوعا تشيع فيه الحياة (١).
بدأ القزوينى مقدمته بقوله : «للناس فى تفسير الفصاحة والبلاغة أقوال مختلفة لم أجد ـ فيما بلغنى منها ـ ما يصلح لتعريفهما به ولا ما يشير إلى الفرق بين كون الموصوف بهما الكلام وكون الموصوف بهما المتكلم ، فالأولى أن نقتصر على تلخيص القول فيهما بالاعتبارين (٢)». وهذا غير صحيح ، لأنّ البلاغيين اهتموا بهما ووضعوا لهما حدودا وفرّقوا بينهما ، وكانت بحوث الجاحظ وقدامة وأبى هلال وعبد القاهر وابن سنان وابن الأثير من أروع ما كتب وأبدع ما خطته يد بلاغى ناقد ، وما مقدمة القزوينى إلّا خلاصة هذه الدراسات ، فكيف لم يترك القدماء تعريفا للفصاحة أو البلاغة يمكن الركون إليه؟ ولعله فى ذلك متأثر بدعوى عبد القاهر الذى يقول : «لم أزل منذ خدمت العلم أنظر فيما قاله العلماء فى معنى الفصاحة والبلاغة والبيان والبراعة وفى بيان المغزى من هذه العبارات وتفسير المراد بها فأجد بعض ذلك كالرمز والإشارة فى خفاء ، وبعضه كالتنبيه على مكان الخبىء ليطلب وموضع الدفين يبحث عنه فيخرج» (٣). ويقول : «إنّا لم نر العقلاء قد رضوا من أنفسهم فى شىء من العلوم أن يحفظوا كلاما للأولين ويتدارسوه ، ويكلم به بعضهم بعضا من غير أن يعرفوا له معنى ويقفوا منه على غرض صحيح ، ويكون عندهم أن يسألوا عن بيان له وتفسير ، إلّا علم الفصاحة فانك ترى طبقات من الناس يتداولون فيما بينهم ألفاظا للقدماء. وعبارات من غير أن يعرفوا لها معنى أصلا أو يستطيعوا إن يسألوا عنها أن يذكروا لها تفسيرا يصح» (٤).
__________________
(١) ينظر كتابنا القزوينى وشروح التلخيص ، ٢٤٩ ـ ٢٨٣.
(٢) الإيضاح ، ص ٢.
(٣) دلائل الإعجاز ، ص ٢٨.
(٤) دلائل الإعجاز ، ص ٣٥٠.