لغة العرب ـ كما بيّنا سابقا ـ تسمح بذلك لبيان عظمة المشار إليه ، فالمراد أنّ لشأن القرآن عظمة ، وكأنّه في موضع بعيد جدّا بين طيات السماء ، لا يناله إلّا من ملك مستلزمات التحليق إليه. ويقارب ذلك ما نتداوله فيما بيّننا عند تعظيم شخص معين فنقول له مثلا : (إن سمح لنا ذلك السّيد أن ...) فنستعمل (ذلك) مع كون الشخص مخاطبا.
وأمّا بشأن مجيء صيغة «قرآن» نكرة فلبيان عظمته أيضا ، وذكر «القرآن» بعد «الكتاب» تأكيد ، ووصفه بال «مبين» لأنّه يظهر الحقائق ويبيّن الحق من الباطل.
وأمّا ما احتمله بعض المفسّرين من أنّ المراد بكلمة «الكتاب» إشارة إلى التوراة والإنجيل ، فهو كما يبدو بعيد جدّا ويفتقد الى الدليل.
ثمّ يحذر الذين يصرون على الفساد ومخالفة آيات الله الجلية ، ويخبر بأنّهم سوف يندمون حين ينكشف الغطاء يوم القيامة بما كسبت أيديهم من كفر وتعصب أعمى وعناد. ويقول : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ).
فالمراد بكلمة «يود» التمني حسب ما ورد في تفسير الميزان ، وذكر كلمة «لو» للدلالة على تمنيهم الإسلام في وقت لا يمكنهم فيه العودة إلى ما كانوا ينكرون ، وهذه إشارة إلى أن تمنيهم سيكون في العالم الآخر وبعد معاينة نتائج الأعمال.
ويؤيد هذا المعنى وما ورد عن الإمام الصّادق عليهالسلام قوله : «ينادي مناد يوم القيامة يسمع الخلائق إنّه لا يدخل الجنّة إلا مسلم ، فثمّ يود سائر الخلائق أنّهم كانوا مسلمين». (١)
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٣٢٨ ، كذلك ورد الحديث الأوّل في تفسير الثقلين عن تفسير العياشي ، وأورد الفخر الرازي في تفسيره حديثا يشابه الحديث الثّاني مع تفاوت يسير ، وذكر في تفسير الطبري أيضا عدّة أحاديث في مضمون الحديث الثّاني ضمن تفسير الآية المذكورة.