وتشريعي لأجل ذلك لأدركنا عظمة هذه النعمة وما لها من الفضل على بقية النعم.
ثمّ يحذر الباري جعل شأنه الإنسان من وجود سبل منحرفة كثيرة : (وَمِنْها جائِرٌ)(١).
وبما أن نعمة الإرادة وحرية الإختيار في الإنسان من أهم عوامل التكامل فيه ، فقد أشارت إليها الآية بجملته قصيرة : (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) ولا تستطيعون عندها غير ما يريد الله.
إلّا أنّه سبحانه لم يفعل ذلك ، لأنّ الهداية الجبرية لا تسمو بالإنسان إلى درجات التكامل والفخر ، فأعطاه حرية الإختيار ليسير في الطريق بنفسه كي يصل لأعلى ما يمكن الوصول إليه من درجات الرفعة والكمال.
كما تشير الآية إلى حقيقة أخرى مفادها أنّ سلوك البعض للطريق الجائز والصراط المنحرف ينبغي أن لا يوجد عند البعض توهما أنّ الله مغلوب (سبحانه وتعالى) أمام هؤلاء، بل إنّ مشيئته جل اسمه ومقتضى حكمته دعت لأن يكون الإنسان حرا في اختياره ما يريد من السبل.
وفي الآية التالية يعود إلى الجانب المادي بما يثير حسّ الشكر للمنعم عند الناس، ويوقد نار عشق الله في قلوبهم بدعوتهم للتقرب أكثر وأكثر لمعرفة المنعم الحق ، فيقول : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) ماء فيه سبب الحياة ، وزلالا شفافا خال من أي تلوّث (لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) ، وتخرج به النباتات والأشجار فترعى أنعامكم (وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ).
«تسيمون» : (من مادة الإسامة) بمعنى رعي الحيوانات ، وكما هو معلوم فإنّ الحيوانات تستفيد من النباتات الأرضية وورق الأ شجار ، و «الشجر» لغة : ذو معنى واسع يشمل إطلاقه الأشجار وغيرها من النباتات.
__________________
(١) ضمير «منها» يعود إلى السبيل. والسبيل مؤنث مجازي.