الضلال.
ومن لطيف دقّة العبارة القرآنية ، أنّ الآية أشارت إلى أنّ الله عزوجل لا يدمّر البناء العلوي للمستكبرين فحسب ، بل سيدمره من القواعد لينهار بكله عليهم.
وقد يكون تخريب القواعد وإسقاط السقف إشارة إلى أبنيتهم الظاهرية ، من خلال الزلازل والصواعق لتنهار على رؤوسهم ، وقد يكون إشارة إلى قلع جذور تجمعاتهم وأحزابهم بأمر الله عزوجل ، بل لا مانع من شمول الأمرين معا.
وممّا يلفت النظر أنّ القرآن ذكر كلمة «السقف» بعد ذكر «من فوقهم» ، فـ «السقف» عادة في الطرف الأعلى من البناء ، فما الذي استلزم ذكر «من فوقهم»؟ ويمكن حمله للتأكيد ، وكذلك لبيان أنّ السقوط سيتحقق بوجودهم أسفله لهلاكهم ، حيث أنّ السقوط قد يحدث بوجود أصحاب الدار أو عدم وجودهم.
وقدم لنا التأريخ قديمه وحديثه بوضوح صورا شتى للعقاب الإلهي ، فإحكام الطغاة والجبابرة لما يعيشون ويتمتعون في كنفه من حصون وقلاع ، إضافة لخططهم المحبوكة كي يستمر لهم ولنسلهم الحال ، وما قاموا به من تهيئة وإعداد كل مستلزمات بقاء قدرة التسلط ودوام نظام الحكم .. كل ذلك لا يعبر في الحقيقة إلّا عن ظواهر خاوية من كل معاني القدرة والاقتدار والدوام ، حيث تحكي لنا قصص التاريخ أنّ هؤلاء يأتيهم العذاب الإلهي وهم بذروة ما يتمتعون به ، وإذا بالقلاع والحصون تتهاوى على رؤوسهم فيفنون ولا تبقى لهم باقية.
وعذابهم في الحياة الدنيا لا يعني تمام الجزاء ، بل تكملته ستكون يوم الجزاء الأكبر (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ).
فيسألهم الله تعالى : (وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) أي تجادلون وتعادون فيهم (١) ، فلا يتمكنون من الإجابة ، ولكن : (قالَ الَّذِينَ أُوتُوا
__________________
(١) تشاقون : من مادة الشقاق ، بمعنى المخالفة والعداء ، وأصلها من (شق ، أي قطعه نصفين).