يدور في أعماق الإنسان بوضوح.
إنّ وظيفة الأنبياء إبلاغ رسالة السماء والوحي الإلهي ، وإيصال دعوة الله إلى الناس والسعي الحثيث وبالوسائل الطبيعية لتحقيق أهداف الوحي ، وليس باستعمال قوى إلهية خارقة للسنن الطبيعية لإجبار الناس بقبول الدعوة وترك الانحرافات ، وإلّا فما كان هناك فخر للإيمان ولا كان هناك تكامل.
ثمّ يضيف القول (تأكيدا لهذه الحقيقة) : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
«الذكر» : بمعنى العلم والاطلاع ، و «أهل الذكر» له من شمولية المفهوم بحيث يستوعب جميع العالمين والعارفين في كافة المجالات. وإذا فسّر البعض كلمة «أهل الذكر» في هذا المورد بمعنى (أهل الكتاب) ، فهو لا يعني حصر هذا المصطلح بمفهوم معين ، وما تفسيرهم في واقعة إلّا تطبيق لعنوان كلي على أحد مصاديقه.
لأنّ السؤال عن الأنبياء والمرسلين السابقين وهل أنّهم من جنس البشر وذوي رسالات ووظائف ربانية ، يجب أن يكون من علماء أهل الكتاب.
وبالرّغم من عدم وجود الوفاق التام بين علماء اليهود والنصارى من جهة والمشركين من جهة أخرى ، إلّا أنّهم مشتركون في مخالفتهم للإسلام ، ولهذا فيمكن أن يكون علماء أهل الكتاب مصدرا جيدا بالنسبة للمشركين في معرفة أحوال الأنبياء السابقين.
يقول الراغب في مفرداته : إنّ الذكر على معنيين ، الأوّل : الحفظ. والثّاني : التذكر واستحضار الشيء في القلب. ولذلك قيل : الذكر ذكران ، ذكر بالقلب وذكر باللسان .. ولذا رأينا أنّ الذكر يطلق على القرآن لأنّه يعرض الحقائق ويكشفها.
ثمّ تقول الآية التالية : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) (١).
__________________
(١) أعطى المفسّرون احتمالات متعددة في الفعل الذي تتعلق به عبارة (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) ... فقال بعضهم:إنّها متعلقة بـ «لا