وتقول أوّلا : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) (١).
وكان النصيب عبارة عن قسم من الإبل بقية من المواشي بالإضافة إلى قسم من المحاصيل الزراعية ، وهو ما تشير إليه الآية (١٣٦) من سورة الأنعام : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ).
ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلا : (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ).
وسيكون بعد السؤال اعتراف لا مفر منه ثمّ الجزاء والعقاب ، وعليه فما تقومون به له ضرر مادي من خلال ما تعملونه بلا فائدة ، وله عقاب أخروي لأنّكم أسأتم الظن بالله واتجهتم إلى غيره.
أمّا البدعة الثّانية فكانت : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ) من التجسم ومن هذه النسبة. (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) أي : إنّهم لم يكونوا ليقبلوا لأنفسهم ما نسبوا إلى الله ، ويعتبرون البنات عارا وسببا للشقاء!
وإكمالا للموضوع تشير الآية التالية إلى العادة القبيحة الثّالثة : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ). (٢)
ولا ينتهي الأمر إلى هذا الحد بل (يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ).
ولم ينته المطاف بعد ، ويغوص في فكر عميق : (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي
__________________
(١) ذكر المفسرون رأيين في تفسير «ما لا يعلمون» وضميرها :
الأول : أن ضمير «لا يعلمون» يعود إلى المشركين أي أن المشركين يجعلون للأصنام نصيبا وهم لا يعلمون لها خيرا وشرا (وهذا ما انتخبناه من تفسير).
والثاني : إن الضمير يعود إلى نفس الأصنام ، أي يجعلون للأصنام نصيبا في حين أنها لا تدرك ، لا تعقل ، لا تعلم! والتفسير الثاني يظهر نوعا من التضاد بين عبارات الآية ، لأن «ما» تستعمل عادة لغير العاقل و «يعلمون» تستعمل للعاقل عادة.
أما في التفسير الأول فـ «ما» تعود على الأصنام و «يعلمون» على عبدتها.
(٢) الكظيم : تطلق على الإنسان الممتلئ غضبا.