فقال رسول الله وهو يمسح دموعه : «لو لا أن سبقت رحمة الله غضبه لعجل الله لك العذاب» (١).
وكذلك ما روي في (قيس بن عاصم) أحد أشرف ورؤساء قبيلة بني تميم في الجاهلية، وقد أسلم عند ظهور النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، جاء يوما إلى النّبي وقال له : أنّ آباءنا كانوا يدفنون بناتهم أحياء ، وقد دفنت أنا (١٢) بنتا ، وعند ما ولدت لي زوجتي البنت الثّالثة عشر أخفت أمرها وادّعت أنّها ماتت عند الولادة ، ثمّ أودعتها آخرين ، وعند ما علمت بذلك بعد مدّة ، أخذتها إلى مكان بعيد ودفنتها حيّة دون أن أعتني ببكائها وتضرعها.
فتأذى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من ذلك فقال ودموعه جارية : «من لا يرحم لا يرحم» ثمّ التفت إلى قيس وقال : «إنّ لك يوما سيئا» ، فقال قيس : ما أفعل لتكفير ذنبي؟ فقال النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «حرر من العبيد بعدد ما وأدت» (٢).
وروي أيضا أن (صعصعة بن ناجية) جد الفرزدق الشاعر المعروف ، وكان رجلا شريفا حرّا فقيل : إنّه كان في الجاهلية يحارب الكثير من العادات القبيحة حتى أنّه اشترى (٣٦٠) بنتا من آبائهن كي ينقذهن من القتل ، وقد أعطى يوما دابته مع بعيرين لأب كان يريد قتل ابنته.
وقال له الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات مرّة (في ما معناه): ما أحسن ما صنعت وأجرك عند الله.
وقال الفرزدق فخرا بعمل جده :
ومنّا الذي منع الوائدات |
|
فأحيا الوئيد فلم توئد (٣) |
وسنرى كيف أنّ الإسلام قد أصم تلك الفواجع العظام ، واعتبر للمرأة مكانة ما كانت تحظى بها من قبل على مر العصور.
__________________
(١) القرآن يواكب الدهر ، ج ٢ ، ص ٣١٤ (مضمونا).
(٢) الجاهلية والإسلام ، ص ٦٣٢.
(٣) قاموس الرجال ، ج ٥ ، ص ١٢٥ (مضمونا).