يشبه المثال الأوّل المشركين بعبد مملوك لا يستطيع القيام بأية خدمة لمولاه ، ويشبه المؤمنين بإنسان غني ، يستفيد الجميع من إمكانياته .. (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ).
والعبد ليس له قدرة تكوينية لأنّه أسير بين قبضة مولاه ومحدود الحال في كل شيء ، وليس له قدرة تشريعية أيضا لأنّ حق التصرف بأمواله (إن كان له مال) وكل ما يتعلق به هو بيد مولاه ، وبعبارة أخرى إنّه : عبد للمخلوق ، ولا يعني ذلك إلّا الأسر والمحدودية في كل شيء.
أمّا ما يقابل ذلك فالإنسان المؤمن الذي يتمتع بأنواع المواهب والرزق الحسن : (وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً) والإنسان الحر مع ما له من إمكانيات واسعة (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً) فاحكموا : (هَلْ يَسْتَوُونَ).
قطعا ، لا ... فإذن : (الْحَمْدُ لِلَّهِ).
الله الذي يكون عبده حرّ وقادر ومنفق ، وليس الأصنام التي عبادها أسرى وعديمو القدرة ومحددون (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (١).
ثمّ يضرب مثلا آخر لعبدة الأصنام والمؤمنين والصادقين ، فيشبه الأوّل بالعبد الأبكم الذي لا يقدر على شيء ، ويشبه الآخر بإنسان حر يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ)(٢)ولهذا (... أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ).
وعلى هذا فيكون له أربع صفات سلبية :
أبكم (لا ينطق ولا يسمع ولا يبصر منذ الولادة).
__________________
(١) المثال المذكور عبارة عن تشبيه للمؤمن والكافر (على ضوء تفسيرنا) ، إلّا أنّ جمعا من المفسّرين ذهب إلى أنّ العبد المملوك يرمز إلى الأصنام ، وأنّ المؤمن الحر المنفق إشارة إلى الله سبحانه وتعالى (ويبدو لنا أنّ هذا التشبيه بعيد).
(٢) يقول الراغب في مفرداته : الأبكم هو الذي يولد أخرس ، فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم ، ويقال: بكم عن الكلام ، إذا أضعف عنه لضعف عقله فصار كالأبكم.