ونشاهد تقديم ذكر السمع على البصر في الآية مع ما للعين من عمل أوسع من السمع ، ولعل ذلك لسبق الأذن في العمل على العين بعد الولادة ، حيث أنّ العين كانت في ظلام دامس (في رحم الأم) ونتيجة لشدّة أشعة النّور (بعد الولادة) فإنّها لا تستطيع العمل مباشرة بسبب حساسيتها ، وإنّما تتدرج في اعتيادها على مواجهة النّور حتى تصل للحالة الطبيعية المعتادة ، ولذا نجد الوليد في بداية أيّامه الأولى مغلق العين. أمّا بخصوص الأذن .. فثمة من يعتقد بأنّ لها القدرة على السماع (قليلا أو كثيرا) وهي في عالم الأجنّة وأنّها تسمع دقات قلب الأم وتعتاد عليها!
أضف إلى ذلك أنّ الإنسان إنّما يرى بعينه الأشياء الحسيّة فقط ، في حين أن الأذن تعتبر وسيلة للتربية والتعليم في جميع المجالات ، فالإنسان يصل بواسطة سماع الكلمات إلى معرفة جميع الحقائق سواء ما كان منها في دائرة الحس أو ما كان خارجها ، وليس للعين هذه السعة ، وصحيح أنّ الإنسان يمكنه تحصيل العلم بواسطة القراءة ، إلّا أنّ القراءة ليست عامّة لكل الناس وسماع الكلمات أمر عام.
أمّا سبب ورود «السمع» بصيغة المفرد و «الأبصار» بصيغة الجمع ، فقد بيّناه عند تفسيرنا للآية (٧) من سورة البقرة.
وثمّة ملاحظة أخرى ينبغي ذكرها تتعلق بكلمة «الفؤاد» ، فقد جاءت هنا بمعنى القلب (العقل) الذي يعيش حالة التوقد ، وبعبارة أخرى : يعيش حالة التّفسير والتحليل والابتكار.
يقول الراغب في مفرداته : (الفؤاد كالقلب ، لكن يقال له فؤاد إذا اعتبر فيه معنى الفؤاد أي التوقد). ومن المسلّم به أن هذا الموضوع يحصل للإنسان بعد حصوله على تجارب كافية.
وعلى أية حال ، فآلات المعرفة وإن لم تنحصر بهذه الأجهزة الثلاث ، إلّا أنّها أفضل الأجهزة جميعا ، لأنّ علم الإنسان إمّا أن يكون عن طريق التجربة أو عند