«الأكنان» : جمع (كن) بمعنى وسائل التغطية والحفظ ، ولهذا فقد أطلقت على المغارات وأماكن الاختفاء وفي الجبال.
ونرى إطلاق كلمة «الظلال» في الآية لتشمل كل الظلال ، سواء كانت ظلال الأشجار أو المغارات الجبلية أو ظل أي شيء آخر ، باعتبارها إحدى النعم الإلهية (وحقيقة الأمر كذلك) ، فكما يحتاج الإنسان إلى النّور في حياته فكثيرا ما يحتاج إلى الظلل كذلك ، لأنّ النّور إذا ما استمر في اشراقه فسوف تكون الحياة مستحيلة ، ويكفينا أن نلمس ما لظل الكرة الأرضية (والمسمى بالليل) على حياتنا ، وكذلك دور الظلال الأخرى خلال النهار في مختلف الأمكنة والحالات.
وكأن ذكر نعمة «الظلال» و «أكنان الجبال» بعد ذكر نعمة «المسكن» و «الخيام» في الآية السابقة ، للإشارة إلى : أنّ طوائف الناس لا تخرج عن إحدى ثلاثة .. واحدة تعيش في المدن والقرى وتستفيد من بناء البيوت لسكناها ، وأخرى تعيش الترحال والتنقل فتحمل معها الخيام ، وثالثة أولئك الذين يسافرون وليس معهم مستلزمات المأوى .. ولم يترك الباري جل شأنه المجموعة الثّالثة تعيش حالة الحيرة من أمرها ، بل في طريقهم الظلال والمغارات لتقيهم.
وقد لا يدرك سكنة المدن ما لوجود المغارات الجبلية من أهمية ، ولكنّ عابري الصحاري والمسافرين العزل والرعاة وكل من حرم من نعمة البيوت الثابتة أو السيارة (مؤقتا أو دائما) عند ما يكونون تحت سطوة حرارة الصيف اللاهبة أو تحت وطأة زمهرير الشتاء القارص ، سيعرفون عندها أهمية تلك المغارات ، وخصوصا كونها باردة في الصيف ودافئة في الشتاء ، وهي ملاذ ينجي من موت قريب ـ في بعض الأحيان ـ للإنسان أو الحيوانات.
وبعد ذكر القرآن الكريم لنعمة الظلال الطبيعية والصناعية ، ينتقل لذكر ملابس الإنسان فيقول : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ، وثمّة ألبسة أخرى تستعمل لحفظ أبدانكم في الحروب (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ).