إليه يأتيها من خارجها ، وما جاء في الآية (٥٧) من سورة القصص (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) يعضد هذا المعنى ، خصوصا وأنّ المفسّرين قد قطعوا بأنّها إشارة إلى مكّة المكرمة.
ويردّ هذا الزعم بعدم معرفة حادثة كهذه في تأريخ مكّة على ما للحادثة من وضوح ، فغير معروف عن مكّة أنّها عاشت أيّاما رغيدة ومن ثمّ جاءها القحط والجوع!
وقال بعض آخر : حدثت هذه القصّة لجمع من بني إسرائيل في منطقة ما ، وأنّهم ابتلوا بالقحط والخوف على أثر كفرانهم بنعم الله.
وما يؤيد ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «إنّ قوما في بني إسرائيل تؤتى لهم من طعامهم حتى جعلوا منه تماثيل بمدن كانت في بلادهم يستنجون بها فلم يزل الله بهم حتى اضطرّوا إلى التماثيل يبيعونها ويأكلونها وهو قول الله» (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً) ... (١).
ورويت روايات أخرى قريبة من هذا المضمون عن الإمام الصادق عليهالسلام وتفسير علي بن إبراهيم ممّا لا يمكن الاعتماد الكامل على أسانيدها ، وإلّا لكانت المسألة واضحة (٢).
وثمّة احتمال آخر وهو أنّ الآية تشير إلى قوم «سبأ» الذين عاشوا في اليمن ، وقد ذكر القرآن الكريم قصتهم في الآيات (١٥ ـ ١٩) من سورة سبأ ، وكيف أنّهم كانوا يعيشون على أرض ملؤها الثمار والخيرات في أمن وسلام ، حتى أصابهم الغرور والطغيان والاستكبار وكفران النعم الإلهية ، فأهلكهم الله وشتّت جمعهم وجعلهم عبرة للآخرين.
وجملة (يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) ليست دليلا قاطعا على أنّها لم
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٩١ (لا حظ بأن الرّواية عن تفسير العياشي ، وأحاديثه مرسلة).
(٢) المصدر السابق.