تبارك وتعالى لم يختر رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يصطفه لشرف الإسراء والمعراج إلا بعد أن اختبر استعداده صلىاللهعليهوآلهوسلم لهذا الشرف ولياقته لهذا المقام ، فالله تبارك وتعالى سمع قول رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورأى عمله وسلوكه فاصطفاه للمقام السامي الذي اختاره له في الإسراء والمعراج.
واحتمل بعض المفسّرين في قوله تعالى : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أن يكون تهديدا لمنكري هذا الإعجاز ، وأنّ الله تبارك وتعالى محيط بما يقولون وبما يفعلون ، وبما يمكرون!
وبالرغم من أنّ هذه الآية تنطوي على اختصار شديد ، إلّا أنّها تكشف عن مواصفات هذا السفر الليلي «الإسراء» الإعجازي من خلال ما ترسمه له من أفق عام يمكن تفصيله بالشكل الآتي :
أوّلا : إنّ تعبير «أسرى» في الآية يشير إلى وقوع السفر ليلا ، لأنّ «الإسراء» في لغة العرب يستخدم للدلالة على السفر الليلي ، فيما يطلق على السفر النهاري كلمة «سير».
ثانيا : بالرغم من أنّ كلمة «ليلا» جاءت في الآية تأكيدا لكلمة «أسرى» إلّا أنّها تريد أن تبيّن أن سفر الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم قد تمّ في ليلة واحدة فقط على الرغم من أنّ المسافة بين المسجد الحرام وبيت المقدس تقدّر بأكثر من مائة فرسخ ، وبشروط مواصلات ذلك الزمان ، كان إنجاز هذا السفر يتطلب أيّاما بل وأسابيع ، لا أن يقع في ليلة واحدة فقط!
ثالثا : إذا كان مقام العبودية هو أسمى مقام يبلغه الإنسان في حياته ، فإنّ الآية قد كرّمت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بإطلاق وصف العبودية عليه ، فقالت «عبده» للدلالة على مراقي الطاعة والعبودية التي قطعها الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لله تبارك وتعالى حتى استحق شرف «الإسراء» حيث لم يسجد جبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لشيء سوى الله ، ولم يطع صلىاللهعليهوآلهوسلم ما عداه ، وقد بذل كل وسعه ، وخطا كل خطوة في سبيل مرضاته