المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، كشفت آيات السورة الأخرى ، عن موقف المشركين والمعارضين لمثل هذه الأحداث ، وأبانت استنكارهم لها ، وعنادهم إزاء الحق ، في هذه الاتجاه انعطفت الآية الأولى ـ من الآيات مورد البحث ـ على قوم موسى ، ليقول لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ تأريخ النبوات واحد ، وإنّ موقف المعاندين واحد أيضا ، وأنّه ليس من الجديد أن يقف الشرك القرشي موقفه هذا منك ، وبين يديك الآن تأريخ بني إسرائيل في موقفهم من موسى عليهالسلام.
تقول الآية أوّلا : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ).
وصفة هذا الكتاب أنّه : (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) والكتاب الذي تعنيه الآية هنا هو «التوراة» الذي نزل على موسى عليهالسلام هدى لبني إسرائيل.
ثمّ تشير الآية إلى الهدف من بعثة الأنبياء بما فيهم موسى عليهالسلام فتقول : (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) (١).
إنّ التوحيد في العمل هو واحد من معالم أصل التوحيد ، وهو علامة على التوحيد العقائدي. الآية تقول : لا تتكئ على أحد سوى الله ، وإنّ أي اعتماد على غيره دلالة على ضعف الإيمان بأصل التوحيد. إنّ أسمى معاني التجلّي في هداية الكتب السماوية ، هو اشتعال نور التوحيد في القلوب والانقطاع عن الجميع والاتصال بالله تعالى.
ومن أجل أن تحرّك الآية التالية عواطف بني إسرائيل وتحفّزهم لشكر النعم الإلهية عليهم، خصوصا نعمة نزول الكتاب السماوي ، فإنّها تضع لهم نموذجا للعبد الشكور فتقول : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) (٢) ولا تنسوا : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً).
__________________
(١) من وجهة التركيب النحوي يقول بعض المفسّرين : إنّ تقدير جملة (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) هو : لئلا تتخذوا .. وبعضهم قال : «أن» زائدة ، وجملة «قلنا لهم» تقديرها : «وقلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا».
(٢) إنّ جملة : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) جملة ندائية وفي التقدير تكون : يا ذرية من حملنا مع نوح. أمّا ما احتمله البعض من أنّ «ذرية» هي بدل عن «وكيلا» أو مفعول ثان لـ «تتخذوا» فهو بعيد ، ولا يتسق مع جملة (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً).