إسرائيل والحوادث التي تلي ذلك على أنّها عقوبة الهية فتقول : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) وارتكبتم ألوان الفساد والظلم والعدوان (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ).
وهؤلاء القوم المحاربون الشجعان يدخلون دياركم للبحث عنكم : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ).
وهذا الأمر لا مناصّ منه : (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً).
ثمّ تشير بعد ذلك إلى أنّ الإلطاف الإلهية ستعود لتشملكم ، وسوف تعينكم في النصر على أعدائكم ، فتقول : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (١).
وهذه المنّة واللطف الإلهي بكم على أمل أن تعودوا إلى أنفسكم وتصلحوا أعمالكم وتتركوا القبائح والذنوب لأنّه : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها).
إنّ الآية تعبّر عن سنّة ثابتة ، إذ أن محصلة ما يعمله الإنسان من سوء أو خير تعود إليه نفسه ، فالإنسان عند ما يلحق أذى أو سوءا بالآخرين ، فهو في الواقع يلحقه بنفسه ، وإذا عمل للآخرين ، فإنّما فعل الخير لنفسه ، أمّا بنو إسرائيل ، فهم مع الأسف لم توقظهم العقوبة الأولى ، ولا نبهتهم عودة النعم الإلهية مجددا ، بل تحركوا باتجاه الإفساد الثّاني في الأرض وسلكوا طريق الظلم والجور والغرور والتكبّر.
تقول الآية في وصف المشهد الثّاني أنّه حين يحين الوعد الإلهي سوف تغطيكم جحافل من المحاربين ويحيق بكم البلاء الى درجة أنّ آثار الحزن والغم تظهر على وجوهكم : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ).
بل ويأخذون منكم حتى بيت المقدس : (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ
__________________
(١) «نفير» اسم جمع وهي بمعنى مجموعة من الرجال ، وقال بعض : هي من «نفر». و «نفر» في الأصل على وزن «عفو» تعني الارتحال والإقبال على شيء. ولذلك يطلق على الجماعة المستعدة للتحرك باتجاه شيء بأنها في حالة «نفير».