المؤرخين ، وقيامه قد تمّ في حدود (٦٠٠) سنة قبل زمان يحيى عليهالسلام ، لذلك كيف يقال : إنّ قيام نبوخذ نصر كان للانتقام من دم يحيى عليهالسلام؟!
ثالثا : وقال آخرون : إنّ بيت المقدس شيّد في زمن داود وسليمان عليهماالسلام ، وقد هدمه «نبوخذ نصر» وهذا هو المقصود من إشارة القرآن إلى الوعد الأوّل. أمّا المرّة الثّانية ، فقد بني فيها بيت المقدس على عهد ملوك الأخمنيين ليقوم بعد ذلك «طيطوس» الرومي بهدمه وخرابه (الملاحظ أن «طيطوس» يطابق «طرطوز» الذي ذكر في التّفسير السابق) وقد بقي على خرابه إلى عصر الخليفة الثّاني عند ما فتح المسلمون فلسطين (١). والملاحظ في هذا التّفسير أنّه لا يفترق كثيرا عمّا ورد في مضمون التفسيرين أعلاه.
رابعا : في مقابل التفاسير الآنفة والتفاسير الأخرى التي تتشابه في مضمون آرائها مع هذه التفاسير ، نلاحظ أنّ هناك تفسيرا آخر يورده «سيد قطب» في تفسير «في ظلال القرآن» يختلف فيه مع كل ما ورد ، حيث يرى أن الحادثتين لم تقعا في الماضي ، بل تتعلقان في المستقبل ، فيقول : «فأمّا إذا عاد بنو إسرائيل إلى الإفساد في الأرض فالجزاء حاضر والسنة ماضية (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) ثمّ يقول : «ولقد عادوا إلى الإفساد فسلّط الله عليهم المسلمين فأخرجوهم من الجزيرة كلّها. ثمّ عادوا إلى الإفساد وسلّط الله عليهم عبادا آخرين ، حتى كان العصر الحديث فسلط عليهم «هتلر» ولقد عادوا اليوم إلى الإفساد في صورة «إسرائيل» التي أذاقت العرب أصحاب الأرض الويلات. وليسلطنّ الله عليهم من يسومهم سوء العذاب ، تصديقا لوعد الله القاطع ، وفاقا لسنته التي لا تتخلف ... وإنّ غدا لناظرة قريب!) (٢).
ولكن الاعتراض الأساسي الذي يرد على هذا التّفسير ، هو أنّ أيّا منهما لم
__________________
(١) تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج ٧ ، ص ٢٠٩.
(٢) سيد قطب ، في ظلال القرآن ، ج ٤ ، ص ٢٢١٤ الطبعة العاشرة.