وإذا أردنا أن نتجاوز كل ذلك ، فينبغي أن نلتفت إلى أنّ قوله تعالى : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) تفيد في أنّ الرجال الذين سيؤدبون «بني إسرائيل» على فسادهم وعلوّهم وطغيانهم ، هم رجال مؤمنون ، شجعان حتى استحقوا لقب العبودية. وممّا يؤكّد هذا المعنى الذي غفلت عنه معظم التفاسير ، هو كلمة «وبعثنا» و «لنا».
ولكنّا مع ذلك ، لا نستطيع الادّعاء أن كلمة «بعث» تستخدم فقط في مورد خطاب الأنبياء والمؤمنين ، بل هي تستخدم في غير هذه الموارد أيضا ، ففي قصّة هابيل وقابيل يقول القرآن الكريم : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ) (١).
وكذلك الحال في كلمة «عباد» أو «عبد» فهي تطلق في بعض الأحيان على الأفراد غير الصالحين من المذنبين وغيرهم ، كما في الآية (٥٨) من الفرقان في قوله تعالى : (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) والآية (٢٧) من سورة الشورى ، حيث يقول تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) وفي خصوص المخطئين والمنحرفين نقرأ في الآية (١١٨) من سورة المائدة قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ).
ولكنّا مع ذلك لا نستطيع أن ننكر ـ وإن لم تقم قرينة خلاف ذلك ـ أنّ العباد الذين بعثهم الله للانتقام من بني إسرائيل هم من العباد المؤمنين الصالحين.
وخلاصة البحث : إنّ هذه الآيات تتحدث عن فسادين كبيرين لبني إسرائيل ، وكيف أنّ الله تبارك وتعالى لم يهمل هؤلاء ، بل أذاقهم جزاءهم في الدنيا ، وبقي عليهم جزاء الآخرة وحسابها ، والدرس الذي نستفيده والإنسانية جمعا هو أنّ الله تعالى لا يهمل الظالمين ولا يسكت على ظلمهم بل علينا أن نعتبر ونتعظ من دروس التاريخ وأحوال الأمم الماضية.
__________________
(١) المائدة ، ٣١.