٣ ـ وذهب جمع من المفسّرين مثل العلّامة الطّباطبائي في (تفسير الميزان)والطنطاوي في تفسير (الجواهر) إلى حمل هذه الآيات على التشبيه والكناية وضرب الأمثال ، أو ما يسمّى ب (البيان الرمزي) ثمّ شرحوا ذلك بصور عدّة :
ألف : نقرأ في تفسير الميزان : (أورد المفسّرون أنواعا من التوجيه لتصوير استراق السمع من الشياطين ورميهم بالشهب ، وهي مبينة على ما سبق إلى الذهن من ظاهر الآيات والأخبار ، إنّ هناك أفلاكا محيطة بالأرض تسكنها جماعات من الملائكة ولها أبواب لا يلج فيها شيء إلّا منها ، وإنّ في السماء الأولى جمعا من الملائكة بأيديهم الشهب يرصدون المسترقين للسمع من الشياطين فيقذفونهم بالشهب.
وقد اتّضح اليوم اتضاح عيان بطلان هذه الآراء.
ويحتمل ـ والله العالم ـ أنّ هذه البيانات في كلامه تعالى من قبيل الأمثال المضروبة تصور بها الحقائق الخارجة عن الحس في صورة المحسوس لتقريبها من الحس ، وهو القائل عزوجل في سورة العنكبوت (٤٣) : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ)، وهو كثير في كلامه تعالى ومنه العرش والكرسي واللوح والكتاب.
وعلى هذا يكون المراد من السماء التي تسكنها الملائكة عالما ملكوتيا ذا أفق أعلى ، نسبته إلى هذا العالم المشهود نسبة السماء المحسوسة بأجرامها إلى الأرض ، والمراد لاقتراب الشياطين من السماء واستراقهم السمع وقذفهم بالشهب اقترابهم من عالم الملائكة للاطلاع على أسرار الخلقة والحوادث المستقبلة ورميهم بما لا يطيقونه من نور الملكوت (١).
ب ـ والطنطاوي في تفسيره المعروف ، هكذا يرى : (إنّ العلماء المحتالين
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ١٧ ، ص ١٢٤ (في تفسير الآيات من سورة الصافات).