الله تعالى ، والذين يعيشون حياة مترفة بعيدة عن الشرع مملوءة بالأهواء والمفاسد ، وهم بذلك لا يفقهون شيئا عن تلك المفردات التي تتحدث عن الأخلاق والإنسانية والإصلاح. ولهذا السبب بالذات ، وبحكم موقعهم ، كان المترفون دائما في الصفوف الأولى ، في مواجهة دعوات الأنبياء والرسل ، وكانوا يعتبرون دعوات الأنبياء ـ القائمة على أساس العدل وحماية المستضعفين ـ ضدّهم.
لهذه الأسباب ذكر هؤلاء بالخصوص لأنّهم أساس الفساد. على أية حال ، هذه الآية بمثابة تحذير لكل المؤمنين كي ينتبهوا ، ولا يسلموا زمام أمورهم وحكوماتهم بيد المترفين والأغنياء الغارقين بالشهوات ، وألّا يتبعونهم ، لأنّ هؤلاء يجرون مجتمعهم نحو الهلاك.
الآية التي بعدها تشير إلى نماذج بهذا الخصوص ، على أنّها أصل عام ، وقاعدة سارية، إذ تقول : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ) وفقا لهذه القاعدة والسنّة ، ثمّ تضيف بعد ذلك : (وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) أي إنّ ظلم وذنوب فرد أو مجموعة لا يمكنها أن تكون خافية على العين البصيرة التي لا تنام لربّ العالمين.
«قرون» جمع «قرن» وهي تعني الجماعة التي تعيش في عصر واحد ، ثمّ أطلقت فيما بعد على مجموع العصر الواحد.
أمّا بصدد عدد سنين القرن الواحد ، فهناك آراء مختلفة ، فقسم أعتبر القرن (٤٠) سنة ، وآخرون قالوا : ثمانين ، والبعض الثالث ، قال : إنّ القرن مائة عام ، أخيرا فقد اعتبر البعض أنّ القرن هو مائة وعشرون عاما. وفي كلّ الأحوال لا بدّ من الإشارة هنا إلى أن الحكم في هذه القضية يخضع لطبيعة الاتفاق العرفي الذي ينعقد حولها. ومن هنا فقد اتفق في عصرنا الراهن على أنّ كل مائة سنة تعتبر قرنا