عبّر سبحانه عن خلق الجبال بالإلقاء ، ولعل المراد بـ «إلقاء» هنا بمعنى (إيجاد) لأنّ الجبال هي الارتفاعات الشاخصة على سطح الأرض الناشئة من برودة قشرة الأرض التدريجي ، أو من المواد البركانية.
ومن بديع خلق الجبال إضافة إلى كونها أوتادا لتثبيت الأرض وحفظها من التزلزل نتيجة الضغط الداخلي ، فإنّها تقف كالدرع الحصين في مواجهة قوّة العواصف ، بل وتعمل على تنظيم حركة الهواء وتعيين اتجاهه ، ومع ذلك فهي المحل الأنسب لتخزين المياه على صورة ثلوج وعيون.
واستعمال كلمة «رواسي» جمع (راسية) بمعنى الثابت والراسخ ، إشارة لطيفة لما ذكرناه.
فهي : ثابتة بنفسها ، وسبب لثبات قشرة الأرض وثبات الحياة الإنسانية عليها.
ثمّ ينتقل إلى العامل الحيوي الفعال في وجود الحياة البشرية والحيوانية ، ألا وهو النبات (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ).
ما أجمل هذا التعبير وأبلغه! «موزون» من مادة (وزن) (١) ، ويشير بذلك إلى:الحساب الدقيق ، النظام العجيب ، والتناسق في التقدير في جميع شؤون النباتات ، وكل أجزائها تخضع لحساب معين لا يقبل التخلخل من السارق ، الغصن ، الورقة ، الوردة ، الحبة وحتى الثمرة.
يتنوع على وجه البسيطة مئات الآلاف من النباتات ، وكل تحمل خواصا معينة ولها من الآثار ما يميزها عن غيرها ، وهي باب بمعرفة واسع وصولا لمعرفة البارئ المصور جل شأنه، وكل ورقة منها كتاب ينطق بعرفة الخالق.
وقد ذهب البعض إلى أن المقصود هو إحداث المعادن والمناجم المختلفة في الجبال ، لأنّ كلمة «إنبات» تستعمل في اللغة العربية للمعادن أيضا.
__________________
(١) الوزن : معرفة قدر الشيء ـ مفردات الراغب.