الجواب ، من علة امتناعهم من تحميل الأصل الذى استعملوا بعض مثله ورفضهم بعضا ، نحو امتناعهم أن يأتوا فى الرباعى بمثال فعلل ، وفعلل ، وفعلل ـ فى غير قول أبى الحسن ـ فجوابه نحو من الذى قدّمناه : من تحاميهم فيه الاستثقال ، وذلك أنهم كما حموا أنفسهم من استيعاب جميع ما تحتمله قسمة تراكيب الأصول ، من حيث قدّمنا وأرينا ، كذلك أيضا توقّفوا عن استيفاء جميع تراكيب الأصول ؛ من حيث كان انتقالك فى الأصل الواحد رباعيّا كان ، أو خماسيّا ، من مثال إلى مثال ، فى النقص والاختلال ، كانتقالك فى المادة الواحدة من تركيب إلى تركيب ، أعنى به حال التقديم والتأخير ، لكن الثلاثيّ جاء فيه لخفّته جميع ما تحتمله القسمة ، وهى الاثنا عشر مثالا ، إلا مثالا واحدا فإنه رفض أيضا لما نحن عليه من حديث الاستثقال ؛ وهو فعل ؛ وذلك لخروجهم فيه من كسر إلى ضمّ.
وكذلك ما امتنعوا من بنائه فى الرباعى ـ وهو فعلل ـ هو لاستكراههم الخروج من كسر إلى ضمّ ، وإن كان بينهما حاجز لأنه ساكن ، فضعف لسكونه عن الاعتداد به حاجزا ؛ على أن بعضهم حكى زئبر (١) ، وضئبل (٢) ، وخرفع (٣) ، وحكيت عن بعض البصريين «إصبع» وهذه ألفاظ شاذّة ، لا تعقد بابا ، ولا يتخذ مثلها قياسا.
وحكى بعض الكوفيين ما رأيته مذ ستّ ؛ وهذا أسهل ـ وإن كان لا حاجز بين الكسر والضم ـ من حيث كانت الضمّة غير لازمة ، لأن الوقف يستهلكها. ولأنها أيضا من الشذوذ بحيث لا يعقد عليها باب. فإن قلت : فما بالهم كثر عنهم باب فعل ، نحو عنق ، وطنب ، وقلّ عنهم باب فعل ، نحو إبل وإطل مع أن الضمة أثقل من الكسرة؟ فالجواب عنه من موضعين : أحدهما أن سيبويه قال : «واعلم أنه قد يقلّ الشىء فى كلامهم ، وغيره أثقل منه ، كل ذلك لئلا يكثر فى كلامهم ما يستثقلون» فهذا قول ، والآخر أن الضمّة وإن كانت أثقل من الكسرة ، فإنها أقوى منها ؛ وقد يحتمل للقوّة ما لا يحتمل للضعف ؛ ألا ترى إلى احتمال الهمزة مع ثقلها للحركات ، وعجز الألف عن احتمالهن ، وإن كانت خفيفة لضعفها ، وقوة الهمزة. وإنما ضعفت الكسرة عن الضمة لقرب الياء من الألف ، وبعد الواو عنها.
__________________
(١) الزئبر : ما يعلو الثوب الجديد.
(٢) الضئبل : الداهية.
(٣) خرفع : القطن.