هذه الحركة ، لا حذفها البتة ، وهو أضبط لهذا الأمر من غيره من القرّاء الذين رووه ساكنا. ولم يؤت القوم فى ذلك من ضعف أمانة ، لكن أتوا (١) من ضعف دراية. وأبلغ من هذا فى المعنى ما رواه من قول الراجز :
تى أنام لا يؤرقنى الكرى |
|
ليلا ولا أسمع أجراس المطى (٢) |
بإشمام القاف من يؤرقنى ، ومعلوم أن هذا الإشمام إنما هو للعين لا للأذن ، وليست هناك حركة البتة ، ولو كانت فيه حركة لكسرت الوزن ؛ ألا ترى أن الوزن من الرجز ، ولو اعتدّت القاف متحرّكة لصار من الكامل. فإذا قنعوا من الحركة بأن يومئوا إليها بالآلة التى من عادتها أن تستعمل فى النطق بها ، من غير أن يخرجوا إلى حسّ السمع شيئا من الحركة ، مشبعة ولا مختلسة ، أعنى إعمالهم الشفتين للإشمام فى المرفوع ، بغير صوت يسمع هناك ، لم يبق وراء ذلك شيء يستدلّ به على عنايتهم بهذا الأمر ؛ ألا ترى إلى مصارفتهم أنفسهم فى الحركة على قلتها ولطفها ، حتى يخرجوها تارة مختلسة غير مشبعة ، وأخرى مشمّة للعين لا للأذن.
ومما أسكنوا فيه الحرف إسكانا صريحا ما أنشده من قوله :
رحت وفى رجليك ما فيهما |
|
وقد بدا هنك من المئزر (٣) |
__________________
عن أبى عمرو ؛ فقد ذكر أن أبا عمرو كان يشمّ الهاء من «يهدى» والخاء من «يخصمون» شيئا من الفتح ، وهذا من اللطف بمكان. وانظر النشر ٢١٦ (نجار).
(١) يريد أن الإسكان لا وجه له فى العربية ، ولو كان القراء على دراية بذلك لترددوا فى رواية الإسكان. وقد أفاض العلماء فى بيان أن العرب قد تعمد للإسكان تخفيفا ، وأن تسكين المرفوع فى نحو «يشعركم» لغة لتميم وأسد ، فلا وجه للإنكار من جهة الدراية. وابن جنى فى الطعن على القراء فى هذا الموطن تابع للمبرد قبله. وهذه نزعة جانبهما فيها الإنصاف. انظر المرجع السابق. (نجار).
(٢) الرجز بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٨٠١ ، وجواهر الأدب ص ٨٦ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٣٢٣ ، والدرر ٢ / ١٨٥ ، والكتاب ٣ / ٩٥ ، ولسان العرب (أرق) ، (شمم) ، (مطا) ، والمنصف ٢ / ١٩١ ، وتاج العروس (أرق) ، (شمم) ، (مطا). الكرىّ : المكارى ، الذى يكريك دابته ، والجمع أكرياء ، بشد الياء خففها للضرورة.
(٣) البيت من السريع ، وهو للأقيشر الأسدىّ فى ديوانه ص ٤٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٨٤ ، ٤٨٥ ، ٨ / ٣٥١ ، والدرر ١ / ١٧٤ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٩١. والمقاصد النحوية ٤ / ٥١٦ ، ١ / ٦٥ ، ٢ / ٣١ ، وتخليص الشواهد ص ٦٣ ، والكتاب ٤ / ٢٠٣ ، ورصف المبانى ص ٣٢٧ ، وشرح المفصّل ١ / ٤٨ ، ولسان العرب (وأل) ، (هنا) ، وهمع الهوامع ١ / ٥٤).