وأمثاله كثير. كل ذلك الوقوف على عروضه مخالف للوقوف على ضربه ، ومخالف أيضا لوقوف الكلام غير الشعر. ولم يذكر أحد من أصحابنا هذا الموضع فى علم القوافى. وقد كان يجب أن يذكر ولا يهمل.
(رجع) وكذلك جميع ما جاء من الكلم على حرف واحد : عامته على الفتح ، إلا الأقلّ ؛ وذلك نحو همزة الاستفهام ، وواو العطف ، وفائه ، ولام الابتداء وكاف التشبيه وغير ذلك. وقليل منه مكسور ، كباء الإضافة ولامها ، ولام الأمر ، ولو عرى ذلك من المعنى الذى اضطرّه إلى الكسر لما كان إلا مفتوحا ، ولا نجد فى الحروف المنفردة ذوات المعانى ما جاء مضموما ، هربا من ثقل الضمة. فأمّا نحو قولك : اقتل ، ادخل ، استقصى عليه ، فأمره غير معتدّ ؛ إذ كانت هذه الهمزة إنما يتبلّغ بها فى حال الابتداء ، ثم يسقطها الإدراج الذى عليه مدار الكلام ومتصرفه.
فإن قلت : ومن أين يعلم أن العرب قد راعت هذا الأمر واستشفّته ، وعنيت بأحواله وتتبعته ، حتى تحامت هذه المواضع التحامى الذى نسبته إليها ، وزعمته مرادا لها؟ وما أنكرت أن يكون القوم أجفى طباعا ، وأيبس طينا ، من أن يصلوا من النظر إلى هذا القدر اللطيف الدقيق ، الذى لا يصح لذى الرقة والدقة منا أن يتصوّره إلا بعد أن توضح له أنحاؤه ، بل أن تشرّح له أعضاؤه؟.
قيل له : هيهات! ما أبعدك عن تصوّر أحوالهم ، وبعد أغراضهم ولطف أسرارهم ، حتى كأنك لم ترهم وقد ضايقوا أنفسهم ، وخففوا عن ألسنتهم ، بأن اختلسوا الحركات اختلاسا ، وأخفوها فلم يمكّنوها فى أماكن كثيرة ولم يشبعوها ؛ ألا ترى إلى قراءة أبى عمرو «ما لك لا تأمننا على يوسف» مختلسا ، لا محققا ؛ وكذلك قوله عزوجل : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) [القيامة : ٤٠] مخفىّ لا مستوفى ، وكذلك قوله عزوجل : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ) [البقرة : ٥٤] مختلسا غير ممكّن كسر الهمزة ، حتى دعا ذلك من لطف عليه تحصيل اللفظ ، إلى أن ادّعى أن أبا عمرو كان يسكّن الهمزة ، والذى رواه صاحب (١) الكتاب اختلاس
__________________
(١) يريد سيبويه ، وانظر كتابه (٢ / ٢٩٧) ، وهذا الذى رواه صاحب الكتاب رواه القراء أيضا ، ورووا مع هذا الإسكان. وممن روى الإسكان أبو محمد اليزيدى ، وهو من هو فى القراءة والبصر بالعربية. ومثل أبى محمد ما كان ليرمى بإساءة السمع ، وقد روى أدق من هذا وأصنع ـ