وتساند إلى سليقيته ونجره (١).
وسألت يوما أبا عبد الله محمد بن العسّاف العقيلىّ الجوثى ، التميمىّ ـ تميم جوثة (٢) ـ فقلت له : كيف تقول : ضربت أخوك؟ فقال أقول : ضربت أخاك.
فأدرته على الرفع ، فأبى ، وقال : لا أقول : أخوك أبدا. قلت : فكيف تقول ضربنى أخوك ، فرفع. فقلت : ألست زعمت أنك لا تقول : أخوك أبدا؟ فقال : أيش هذا! اختلفت جهتا الكلام. فهل هذا إلا أدلّ شيء على تأملهم مواقع الكلام ، وإعطائهم إيّاه فى كل موضع حقّه ، وحصّته من الإعراب ، عن ميزة ، وعلى بصيرة ، وأنه ليس استرسالا ولا ترجيما. ولو كان كما توهمه هذا السائل لكثر اختلافه ، وانتشرت جهاته ، ولم تنقد مقاييسه. وهذا موضع نفرد له بابا بإذن الله تعالى فيما بعد. وإنما أزيد فى إيضاح هذه الفصول من هذا الكتاب لأنه موضع الغرض : فيه تقرير الأصول ، وإحكام معاقدها ، والتنبيه على شرف هذه اللغة وسداد مصادرها ومواردها ، وبه وبأمثاله تخرج أضغانها ، وتبعج أحضانها ، ولا سيّما هذا السمت الذى نحن عليه ، ومرزون (٣) إليه ؛ فاعرفه ؛ فإنّ أحدا لم يتكلّف الكلام على علة إهمال ما أهمل ، واستعمال ما استعمل. وجماع أمر القول فيه ، والاستعانة على إصابة غروره (٤) ومطاويه ، لزومك محجّة القول بالاستثقال والاستخفاف ، ولكن كيف ، وعلام ، ومن أين ، فإنه باب يحتاج منك إلى تأنّ ، وفضل بيان وتأتّ. وقد دققت لك بابه ، بل خرقت بك حجابه. ولا تستطل كلامى فى هذا الفصل ، أو ترينّ أن المقنع فيه كان دون هذا القدر ؛ فإنك إذا راجعته وأنعمت تأمّله علمت أنه منبهة للحسّ ، مشجعة للنفس.
وأما السؤال عن علة عدل عامر ، وجاشم ، وثاعل ، وتلك الأسماء المحفوظة ، إلى فعل : عمر ، وجشم ، وثعل ، وزحل ، وغدر ، دون أن يكون هذا العدل فى مالك ، وحاتم ، وخالد ، ونحو ذلك ؛ فقد تقدّم الجواب عنه فيما فرط : أنهم لم يخصّوا ما هذه سبيله بالحكم دون غيره ، إلا لاعتراضهم طرفا مما أطفّ لهم من
__________________
(١) النجر : الأصل والطبيعة.
(٢) جوثة : حىّ أو موضع ، وتميم جوثة منسوبون إليهم. اللسان (جوث).
(٣) مرزون : مستندون ، من أرزيت إلى الله : استندت.
(٤) كلّ ثوب متثنّ فى ثوب أو جلد : غرّ ، وجمعه غرور. اللسان (غرر).