غنّة كالنون ، وهى أيضا تقرب من الياء حتى يجعلها بعضهم فى اللفظ ياء ، فحملت اللام فى هذا على النون ، كما حملت أيضا عليها فى لعلّى ، ألا تراهم كيف كرهوا النون من لعلّنى مع اللام ، كما كرهوا النون فى إننى ، وعلى ذلك قالوا : هذا بلو سفر ، وبلى سفر (١) ، فأبدلوا الواو ياء لضعف حجز اللام كما أبدلوها «فى قنية» ياء ، لضعف حجز النون ، وكأن «قنية» ـ وهى عندنا من «قنوت» ـ ، و «بليا» أشبه من عذى (٢) وصبيان ، لأنه لا غنّة فى الذال والباء. ومثل «بلى» قولهم : فلان من علية الناس ، وناقة عليان (٣). فأمّا إبدال يونس هذه النون فى الوقف ألفا وجمعه بين ألفين فى اضرباا ، واضربناا ، فهو الضعيف المستكره الذى أباه أبو إسحاق وقال فيه ما قال.
ومن الأمر الطبيعى الذى لا بدّ منه ، ولا وعى عنه ، أن يلتقى الحرفان الصحيحان فيسكن الأوّل منهما فى الإدراج ، فلا يكون حينئذ بدّ من الإدغام ، متصلين كانا أو منفصلين. فالمتصلان نحو قولك : شدّ ، وصبّ ، وحلّ ؛ فالإدغام واجب لا محالة ، ولا يوجدك اللفظ به بدا منه. والمنفصلان نحو قولك : خذ ذاك ، ودع عامرا. فإن قلت : فقد أقدر أن أقول : شدد ، وحلل ، فلا أدغم ، قيل : متى تجشّمت ذلك وقفت على الحرف الأوّل وقفة ما ، وكلامنا إنما هو على الوصل. فأما قراءة عاصم : (وَقِيلَ مَنْ راقٍ)(٤) [القيامة : ٢٧] ببيان النون من «من» ، فمعيب فى الإعراب ، معيف فى الأسماع ، وذلك أن النون الساكنة لا توقّف فى وجوب ادّغامها فى الراء ، نحو : من رأيت ، ومن رآك ؛ فإن كان ارتكب ذلك ووقف على النون صحيحة غير مدغمة ، لينبّه به على انفصال المبتدأ من خبره فغير مرضىّ أيضا ؛ ألا ترى إلى قول عدىّ :
__________________
(١) يقال : ناقة بلو سفر وبلى سفر : أبلاها السفر.
(٢) العذى : قلبت الواو ياء لضعف الساكن كما قالوا صبية ، وقد قيل إنه ياء والعذى ، بتسكين الذال : الزرع الذى لا يسقى إلا من ماء المطر لبعده عن المياه. اللسان (عذا).
(٣) يقال : ناقة عليان أى عالية مشرفة.
(٤) وأظهر عاصم وتبعه حفص النون فى قوله تعالى : (مَنْ راقٍ) واللام فى قوله : (بَلْ رانَ) لئلا يشبه مرّاق وهو بائع المرقة ، وبرّان مثنى بر. وانظر القرطبى ص ٦٩٠٣ ط الريان ، والمحيط فى تفسير سورة القيامة.