كثر ذلك فيها ضعفت حركاتها وخفيت. وأما أنا فأسمعهم كثيرا إذا أرادوا المفتاح قالوا : «كليد» ؛ فإن لم تبلغ الكاف أن تكون ساكنة ، فإنّ حركتها جدّ مضعفة ، حتى إنها ليخفى حالها علىّ ، فلا أدرى أفتحة هى أم كسرة ، وقد تأملت ذلك طويلا فلم أحل منه بطائل.
وحدّثنى أبو علىّ رحمهالله قال : دخلت «هيتا» (١) وأنا أريد الانحدار منها إلى بغداد ، فسمعت أهلها ينطقون بفتحة غريبة لم أسمعها قبل ؛ فعجبت منها وأقمنا هناك أياما ، إلى أن صلح الطريق للمسير ، فإذا أننى قد تكلمت مع القوم بها ، وأظنه قال لى : إننى لما بعدت عنهم أنسيتها.
ومما نحن بسبيله مذهب يونس فى إلحاقه النون الخفيفة للتوكيد فى التثنية ، وجماعة النساء ، وجمعه بين ساكنين فى الوصل ، نحو قوله : اضربان زيدا ، واضربنان عمرا ، وليس ذلك ـ وإن كان فى الإدراج ـ بالممتنع فى الحسّ ، وإن كان غيره أسوغ فيه منه ، من قبل أن الألف إذا أشبع مدّها صار ذلك كالحركة فيها ، ألا ترى إلى اطّراد نحو : شابّة ، ودابّة ، وادهامّت ، والضالّين.
فإن قلت : فإن الحرف لما كان مدغما خفى ، فنبا اللسان عنه وعن الآخر بعده نبوة واحدة ، فجريا لذلك مجرى الحرف الواحد ، وليست كذلك نون اضربان زيدا ، وأكرمنان جعفرا ، قيل : فالنون الساكنة أيضا حرف خفىّ فجرت لذلك نحوا من الحرف المدغم ؛ وقد قرأ نافع «محياى ومماتى» [الأنعام : ١٦٢] بسكون الياء من «محياى» ، وذلك لما نحن عليه من حديث الخفاء ، والياء المتحركة إذا وقعت بعد الألف احتيج لها إلى فضل اعتماد وإبانة ، وذلك قول الله تعالى (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) [العنكبوت : ١٢] ولذلك يحضّ المبتدئون ، والمتلقّنون على إبانة هذه الياء لوقوعها بعد الألف ، فإذا كانت من الخفاء على ما ذكرنا وهى متحركة ازدادت خفاء بالسكون نحو محياى ، فأشبهت حينئذ الحرف المدغم. ونحو من ذلك ما يحكى عنهم من قولهم : «التقت حلقتا البطان» بإثبات الألف ساكنة فى اللفظ قبل اللام ، وكأن ذلك إنما جاز هاهنا لمضارعة اللام النون ؛ ألا ترى أن فى مقطع اللام
__________________
(١) هيت : بلد على شاطئ الفرات. اللسان (هيت).