زمان علىّ غراب غداف |
|
فطيّره الشيب عنّى فطارا (١) |
فهذا موضع يمكن أن يذهب ذاهب فيه إلى سقوط حكم ما تعلّق به الظرف من الفعل ، ويمكن أيضا أن يستدلّ به على ثباته وبقاء حكمه. وذلك أن الظرف الذى هو (علىّ) متعلق بمحذوف ، وتقديره غداة ثبت علىّ أو استقر علىّ غراب ، ثم حذف الفعل وأقيم الظرف مقامه. وقوله فطيّره ـ كما ترى ـ معطوف. فأما من أثبت به حكم الفعل المحذوف فله أن يقول : إن طيّره معطوف على ثبت أو استقرّ ، وجواز العطف عليه أدلّ دليل على اعتداده وبقاء حكمه ، وأن العقد عليه ، والمعاملة فى هذا ونحوه إنما هى معه ؛ ألا ترى أن العطف نظير التثنية ، ومحال أن يثنّى الشىء فيصير مع صاحبه شيئين إلا وحالهما فى الثبات والاعتداد واحدة.
فهذا وجه جواز الاستدلال به على بقاء حكم ما تعلّق به الظرف ، وأنه ليس أصلا متروكا ، ولا شرعا منسوخا.
وأمّا جواز اعتقاد سقوط حكم ما تعلّق به الظرف من هذا البيت فلأنه قد عطف قوله «فطّيره» على قوله «علىّ» وإذا جاز عطف الفعل على الظرف قوى حكم الظرف فى قيامه مقام الفعل المتعلّق هو به ، وإسقاطه حكمه وتولّيه من العمل ما كان الفعل يتولاه ، وتناوله به ما كان هو متناولا له.
فهذان وجهان من الاستدلال بالشىء الواحد على الحكمين الضدّين ، وإن كان وجه الدلالة به على قوّة حكم الظرف وضعف حكم الفعل فى هذا وما يجرى مجراه هو الصواب عندنا ، وعليه اعتمادنا وعقدنا. وليس هذا موضع الانتصار لما نعتقده فيه ، وإنما الغرض منه أن نرى وجه ابتداء تفرّع القول ، وكيف يأخذ بصاحبه ، ومن أين يقتاد الناظر فيه إلى أنحائه ومصارفه.
ونظير هذا البيت فى حديث الظرف والفعل من طريق العطف قول الله عزّ اسمه (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ. فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) [الطارق : ٩ ، ١٠] أفلا تراه كيف
__________________
(١) البيت من المتقارب ، وهو للكميت فى لسان العرب (غرب). الغداف : الشعر الأسود الطويل. اللسان (غدف).