ومع هذا أيضا فإن استنوق ، واستتيس شاذّ ؛ ألا تراك لو تكلّفت أن تأتى باستفعل من الطود ، لما قلت : استطود ، ولا من الحوت استحوت ، ولا من الخوط استخوط ؛ ولكان القياس أن تقول : استطاد ، واستحات ، واستخاط.
والعلّة فى وجوب إعلاله وإعلال استنوق ، واستفيل ، واستتيست أنا قد أحطنا علما بأن الفعل إنّما يشتقّ من الحدث لا من الجوهر ؛ ألا ترى إلى قوله (وأمّا الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء) فإذا كان كذلك وجب أن يكون استنوق مشتقّا من المصدر. وكان قياس مصدره أن يكون معتلا ، فيقال : استناقة ، كاستعانة ، واستشارة. وذلك أنه وإن لم يكن تحته ثلاثىّ معتلّ كقام وباع فيلزم إجراؤه فى الإعلال عليه ، فإن باب الفعل إذا كانت عينه أحد الحرفين أن يجيء معتلا ، إلا ما يستثنى من ذلك ؛ نحو طاول ، وبايع ، وحول ، وعور ، واجتوروا ، واعتونوا ؛ لتلك العلل المذكورة هناك. وليس باب أفعل ولا استفعل منه. فلمّا كان الباب فى الفعل ما ذكرناه من وجوب إعلاله ، وجب أيضا أن يجيء استنوق ونحوه بالإعلال ؛ لاطّراد ذلك فى الفعل ؛ كما أن الاسم إذا كان على فاعل كالكاهل والغارب ، إلا أن عينه حرف علّة لم يأت عنهم إلا مهموزا ، وإن لم يجر على فعل ؛ ألا تراهم همزوا الحائش (١) ، وهو اسم لا صفة ، ولا هو جار على فعل ، فأعلّوا عينه ، وهى فى الأصل واو من الحوش.
فإن قلت : فلعلّه جار على حاش ، جريان قائم على قام ؛ قيل : لم نرهم أجروه صفة ، ولا أعملوه عمل الفعل ؛ وإنما الحائش : البستان بمنزلة الصّور (٢) ، وبمنزلة الحديقة فإن قلت : فإن فيه معنى الفعل ؛ لأنه يحوش ما فيه من النخل وغيره ، وهذا يؤكّد كونه فى الأصل صفة ، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء ؛ كصاحب ووالد ؛ قيل : ما فيه من معنى الفعلية لا يوجب كونه صفة ؛ ألا ترى إلى
__________________
(١) الحائش : جماعة النخل والطّرفاء : ضرب من الشجر. وهو فى النخل أشهر ، لا واحد له من لفظه ، وفى الحديث : أنه دخل حائش نخل فقضى فيه حاجته ؛ هو النخل الملتف المجتمع ، كأنه لالتفافه يحوش بعضه إلى بعض ، وأصله الواو كذا قال الجوهرى ، وذكره ابن الأثير فى حيش. وانظر اللسان (حوش).
(٢) الصور : جماعة النخل.