قولهم : الكاهل والغارب (١) ، وهما وإن كان فيهما معنى الاكتهال والغروب فإنهما اسمان.
ولا يستنكر أن يكون فى الأسماء غير الجارية على الأفعال معانى الأفعال. من ذلك قولهم : مفتاح ، ومنسج ، ومسعط ، ومنديل ، ودار ، ونحو ذلك ؛ تجد فى كل واحد منها معنى الفعل ، وإن لم تكن جارية عليه. فمفتاح من الفتح ، ومنسج من النسج ، ومسعط من الإسعاط ، ومنديل من الندل ، وهو التناول ؛ قال الشاعر :
على حين ألهى الناس جلّ أمورهم |
|
فندلا زريق المال ندل الثعالب (٢) |
وكذلك دار : من دار يدور لكثرة حركة الناس فيها ؛ وكذلك كثير من هذه المشتقّات تجد فيها معانى الأفعال وإن لم تكن جارية عليها. فكذلك الحائش جاء مهموزا وإن لم يكن اسم فاعل ، لا لشيء غير مجيئه على ما يلزم اعتلال عينه ؛ نحو قائم ، وبائع ، وصائم. فاعرف ذلك. وهو رأى أبى علىّ رحمهالله ، وعنه أخذته لفظا ومراجعة وبحثا.
ومثله سواء الحائط : هو اسم بمنزلة الركن والسقف ، وإن كان فيه معنى الحوط. ومثله أيضا العائر للرمد ، هو اسم مصدر بمنزلة الفالج ، والباطل ، والباغز ، وليس اسم فاعل ولا جاريا على معتلّ ؛ وهو كما تراه معتلّ.
__________________
(١) الكاهل : مقدّم أعلى الظهر مما يلى العنق ، والغارب من البعير ما بين السنام والعنق.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لأعشى همدان فى الحماسة البصرية ٢ / ٢٦٢ ، ٢٦٣ ، ولشاعر من همدان فى شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٧١ ، ٣٧٢ ، ولأعشى همدان أو للأحوص أو لجرير فى المقاصد النحوية ٣ / ٤٦ ، وهما فى ملحق ديوان الأحوص ص ٢١٥ ، وملحق ديوان جرير ص ١٠٢١ ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٢٩٣ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢١٨ ، وجمهرة اللغة ص ٦٨٢ ، وسر صناعة الإعراب ص ٥٠٧ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢٠٤ ، وشرح التصريح ١ / ٣٣١ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٨٩ ، والكتاب ١ / ١١٥ ، ولسان العرب (خشف) ، (ندل). الندل : النقل والاختلاس ، يقول : اندلى يا زريق ، وهى قبيلة. ندل الثعالب ، يريد السرعة ؛ والعرب تقول : أكسب من ثعلب ؛ قال ابن برى : وقيل فى هذا الشاعر إنه يصف قوما لصوصا يأتون فيسرقون ويملئون حقائبهم ثم يعودون ، وقيل : يصف تجارا ، وقوله : على حين ألهى الناس جل أمورهم : يريد حين اشتغل الناس بالفتن والحروب. اللسان (ندل) وقبله :
يمرون بالدّهنا خفافا عيابهم |
|
ويخرجن من دارين بجر الحقائب |