فإن قلت : فما تقول فى استعان وقد أعلّ ، وليس تحته ثلاثىّ معتلّ ، ألا تراك لا تقول : عان يعون كقام يقوم؟ قيل : هو وإن لم ينطق بثلاثيّه فإنه فى حكم المنطوق به ، وعليه جاء أعان يعين.
وقد شاع الإعلال فى هذا الأصل ؛ ألا تراهم قالوا : المعونة ـ فأعلّوها كالمثوبة ، والمعوضة (١) ـ والإعانة ، والاستعانة. فأمّا المعاونة فكالمعاودة : صحّت لوقوع الألف قبلها.
فلمّا اطّرد الإعلال فى جميع ذلك دلّ أن ثلاثيّه وإن لم يكن مستعملا فإنه فى حكم ذلك. وليس هذا بأبعد من اعتقاد موضع (أن) لنصب الأفعال فى تلك الأجوبة ، وهى الأمر والنهى وبقيّة ذلك ، وإن لم تستعمل قطّ. فإذا جاز اعتقاد ذلك ، وطرد المسائل عليه لدلالة الحال على ثبوته فى النفس ، كان إعلال نحو أعان ، واستعان ، ومعين ، ومستعين ، والإعانة والاستعانة ـ لاعتقاد كون الثلاثيّ من ذلك فى حكم الملفوظ به ـ أحرى وأولى.
وأيضا فقد نطقوا من ثلاثيّه بالعون ، وهو مصدر ، وإذا ثبت أمر المصدر الذى هو الأصل لم يتخالج شكّ فى الفعل الذى هو الفرع ؛ قال لى أبو علىّ بالشام : إذا صحّت الصفة فالفعل فى الكفّ. وإذا كان هذا حكم الصفة كان فى المصدر أجدر ؛ لأن المصدر أشدّ ملابسة للفعل من الصفة ؛ ألا ترى أن فى الصفة [ما ليس بمشتق] نحو قولك : مررت بإبل مائة ، ومررت برجل أبى عشرة أبوه ، ومررت بقاع عرفج (٢) كلّه ، ومررت بصحيفة طين خاتمها ، ومررت بحيّة ذراع طولها ، وليس هذا مما يشاب به المصدر ، إنما هو ذلك الحدث الصافى ؛ كالضرب ، والقتل ، والأكل ، والشرب.
فإن قلت : ألا تعلم أن فى الناقة معنى الفعل. وذلك أنها فعلة من التنوّق فى الشىء وتحسينه ، قال ذو الرمّة :
... تنوّقت |
|
به حضرميّات الأكفّ الحوائك (٣) |
__________________
(١) المعوضة : العوض.
(٢) العرفج : نبات طيب الرائحة ، واحده عرفجة.
(٣) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمّة فى تتمة ديوانه ص ١٧١٤ ، ولسان العرب (نوق) ، وتاج