والتقاؤهما أن الناقة عندهم مما يتحسّن به ويزدان بملكه ؛ وبالإبل يتباهون ، وعليها يحملون ويتحمّلون ؛ ولذلك قالوا لمذكّرها : الجمل ؛ لأنه فعل من الجمال ، كما أن الناقة فعلة من التنوّق. وعلى هذا قالوا : قد كثر عليه المشاء ، والفشاء ، والوشاء ، إذا تناسل عليه المال. فالوشاء فعال من الوشى ، كأنّ المال عندهم زينة وجمال لهم ، كما يلبس من الوشى للتحسّن به. وعلى ذلك قالوا : ما بالدار دبّيج ، فهو فعّيل من لفظ الديباج ومعناه. وذلك أن الناس هم الذين يشون الأرض ، وبهم تحسن ، وعلى أيديهم وبعمارتهم تجمل. وعليه قالوا : إنسان ؛ لأنه فعلان من الأنس.
فقد ترى إلى توافى هذه الأشياء ، على انتشارها ، وتباين شعاعها ، وكونها عائدة إلى موضع واحد ؛ لأن التنوّق ، والجمال ، والأنس ، والوشى ، والديباج ، مما يؤثر ويستحسن ـ وكنت عرضت هذا الموضع على أبى علىّ رحمهالله فرضيه وأحسن تقبّله ـ فكذلك يكون استنوق من باب استحوذ من حاذ يحوذ ؛ من حيث كان فى الناقة معنى الفعل من التنوّق ، دون أن يكون بعيدا عنه ؛ كما رمت أنت فى أوّل الفصل. انقضى السؤال.
فالجواب أن استنوق أبعد عن الفعل من استحوذ على ما قدّمنا. فأمّا ما فى الناقة من معنى الفعليّة والتنوّق ، فليس بأكثر مما فى الحجر من معنى الاستحجار والصلابة ، فكما أن استحجر الطين واستنسر البغاث من لفظ الحجر والنّسر ، فكذلك استنوق من لفظ الناقة ، والجميع ناء عن الفعل ؛ وما فيه من معنى الفعليّة إنما هو كما فى مفتاح ومدقّ ومنديل ونحو ذلك منه.
ومما ورد شاذّا عن القياس ومطّردا فى الاستعمال قولهم : الحوكة ، والخونة. فهذا من الشذوذ عن القياس على ما ترى ، وهو فى الاستعمال منقاد غير متأبّ ؛ ولا تقول على هذا فى جمع قائم : قومة ، ولا فى صائم : صومة ، ولو جاء على فعلة ما كان إلا معلّا. وقد قالوا على القياس : خانة.
__________________
ـ العروس (نوق) ، (حاك). وصدره :
* كأن عليها سحق لفق تنوّقت*
والسحق : البالى ، اللّفق : أحد شقى الملاءة. الحضرميات : نسبة إلى حضرموت.