السياق هو الذى يخلع على التشكيل الصوتى إيحاءاته المناسبة له.
ونستطيع أن نزعم أن اختيار المبدع يدل على أن هناك علاقة خفيّة بين السمات الصوتيّة والمعانى الدالة عليها.
غير أننا نقرر أن معانى تلك الأصوات إنما هى معان تركيبية سياقية وليست معانى إفرادية ، وأنها مستقرة فى الحسّ اللغوى للمبدع ، وتعمل على توجيه اختياراته الصوتية بطريقة لا شعورية.
ويقوم هذا البحث بدراسة الدلالة الصوتية للكلمة من حيث النظر فى صفات الأصوات ، من حيث : الجهر والهمس ، والرخاوة والشدة ، والانطباق والانفتاح ، والاستعلاء والانخفاض ، والصفير ، والاستطالة ، والتفشى ، والمد ، واللين ، والانحراف ، والتكرير ، والهوى وغير ذلك.
ومن حيث ما يصاحب الكلمة عند النطق بها من ظواهر صوتية : كالنبر والتنغيم ، ثم من حيث النظر فى مخارجها المختلفة ، وبحث العلاقة بين تلك السمات الصوتية للتشكيل الصوتى للكلمة ومناسبتها لسياقها ونسقها الدلالى.
ويبقى جانب آخر من دراسة التشكيل الصوتى وهو الأوزان الشعرية ، أو موسيقى الكلام ؛ لنشمل ضروب الموسيقى النثرية. وقد رأينا إفراد هذا الجانب ببحث مستقل ؛ فقصرنا بحثنا هذا على دراسة الدلالة الصوتية للكلمة من حيث ما ذكرنا ، دون التعرض للدلالة الموسيقية للكلام.
ومع حداثة البحث فى هذا المجال وطرافته فإننا لا نزعم أننا نبدأ فيه من فراغ ؛ بل إن ثمة محاولات عديدة قديمة وحديثة قد حاولت ولوج هذا الميدان ، غير أن كثيرا من تلك المحاولات قد وقفت على شاطئ هذا البحث دون الولوج إلى أعماقه. وثمة دراسات قد ضلّت الطريق فى هذا المجال وتنكبت عن سواء السبيل.
أما الدراسات القديمة فإننا نستطيع أن نقف فيها على معالم هادية ومحاولات جادة يمكننا عن طريقها الوقوف على التفات هؤلاء القدماء إلى دلالة الصوت ومناسبته لمعناه.
وهذه المحاولات الجادة فى هذا السبيل نجد بعضها عند الخليل بن أحمد ، وكثيرا منها لدى سيبويه فى كتابه ، كما نجدها أكثر نضجا عند ابن جنى فى خصائصه ، وفى كتابات ابن الأثير من بعده.