فما جاء عن الخليل فى ذلك قوله :
«كأنهم توهموا فى صوت الجندب استطالة ومدا فقالوا : (صر) ، وتوهموا فى صوت البازى تقطيعا فقالوا : (صرصر)» (١).
نلمح هنا إشارة الخليل إلى ما بين الفعل الثلاثى المضعف العين صر وبين معناه من التناسب من حيث بنية الصيغة ودلالتها على المعنى الإفرادى لتلك الكلمة ، فنحن نلاحظ أن تضعيف الراء الناشئ عن التشديد فيها ينتج عنه نوع من المط والاستطالة ينشأ عن سمة التكرارية التى تتسم بها الراء ، وهذا فى نهاية الكلمة يناسب ما فى صوت الجندب من مد واستطالة ؛ فالمناسبة هنا ظاهرة بين أصوات هذه الكلمة ومعناها الذى تدل عليه.
فإذا انتقلنا إلى كلام سيبويه فى هذا الموضع فإننا نجد أن سيبويه قد أصل سبق الخليل إلى هذا الباب ، فهو يقول :
«هذا باب «افعوعل» وما هو على مثاله مما لم نذكره. قالوا «خشن» ، وقالوا :
«اخشوشن» ، وسألت الخليل ، فقال : كأنهم أرادوا المبالغة والتوكيد ، كما أنه إذا قال «اعشوشبت الأرض» فإنما يريد أن يجعل ذلك كثيرا عاما قد بالغ» (٢).
لقد التفت الخليل وسيبويه هنا إلى أثر زيادة المبنى فى زيادة المعنى ، كما قد التفتا كذلك إلى الغرض من تلك الزيادة ، وهو هنا المبالغة والتوكيد ، وقد عقد سيبويه لذلك بابا فى كتابه وسماه «ما جاء على مثال واحد حين تقاربت المعانى» (٣).
ونحتاج أن نقف أمام بعض هذه المواضع لتأملها وبيان مدى وقوف سيبويه على هذه الظاهرة ، فلنتأمل على سبيل المثال قوله :
«ومن المصادر التى جاءت على مثال واحد حين تقاربت المعانى ، قولك «النزوان» ، و «النقذان» و «القفزان» ، وإنما هذه الأشياء فى زعزعة البدن واهتزازه فى ارتفاع ، ومثله
__________________
(١) ابن جنى الخصائص ، ٢ / ١٥٢ تحقيق د / محمد على النجار ، ط دار الهدى للطباعة والنشر بيروت لبنان س ١٩٥٨.
(٢) سيبويه / الكتاب ، ٢ / ٢٤١ / ط المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية ص ١٣١٧.
(٣) المرجع السابق ٢ / ٢١٩. وثمة مواضع أخر كثيرة فى كتابه انظر على سبيل المثال الكتاب ٢ / ٢١٤ ـ ٢١٦.