رخاوة الخاء أى أنها صوت احتكاكى ، فهو يتناسب مع الشىء الرطب ، الذى يسهل أكله ، وإلى صلابة القاف ؛ فهى صوت انفجارى ، ومن ثم يتناسب مع أكل اليابس ، الذى يصعب قطعه. يقول : «فاختاروا الخاء لرخاوتها للرّطب ، والقاف لصلابتها لليابس ، حذوا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث» (١).
ولذلك فإن الشاعر عند ما عبر عن مرارة العيش عبر عنها بقضم الجلمد ، وهو صخر يابس ، فقال :
والموت خير من حياة مرة |
|
تقضى لياليها كقضم الجلمد |
ومن هذا الباب قولهم :
والنّضح والنّضخ : والثانى أقوى من الأول ، فى التعبير عن حركة الماء يقول تعالى : (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) [الرحمن : ٦٦] «أى فوّارتان بالماء» عن ابن عباس. والنضخ بالخاء أكثر من النضح بالحاء (٢).
وإذا كان القدماء كالخليل وسيبويه قد أولوا الجهة الثانية عناية خاصة ، وهى جهة النظر إلى التراكيب الصوتية ومناسبتها للمعانى التى وضعت لها ، أقول : إذا كان هؤلاء القدماء قد برعوا فى هذا الجانب فإن ما أدلى به ابن جنى فى هذا المقام يجعل تلك المحاولات الأولى من جانب القدماء مجرد إشارات وومضات مضيئة ، لا تقارن بما قدم ابن جنى فى هذا الباب إلا من حيث سبقها الزمنى وريادتها لهذا الطريق الوعر.
فابن جنى يلمح المناسبة بين تلك الحركات المتوالية فى صيغة (فعلان) التى جعلت تلك الصيغة ـ بذلك التركيب الصوتى وبتلك الهيئة ـ مناسبة أتمّ المناسبة لمعناها الدال على الحركة والاضطراب (٣).
ولا يقف ابن جنى هنا عند الأمثلة التى ذكرها عن الخليل وسيبويه ، بل يزيد على ذلك أمثلة كثيرة ، ونحتاج أن نقف أمامها فى هذا الباب وقفات متأنية ؛ لنرى إلى أى حد تكون المناسبة بين صيغ الألفاظ ومعانيها.
قال ابن جنى بعد ذكر كلام الخليل وسيبويه السابق نقله : «ووجدت أنا من هذا
__________________
(١) السابق ، ص ١٥٨.
(٢) السابق وانظر القرطبى الجامع لأحكام القرآن الكريم ، ط دار الحديث ، ج ١٧ ، ص ١٧٩.
(٣) الخصائص ٢ / ١٥٢.