الحديث أشياء كثيرة على سمت ما حدّاه (١) ومنهاج ما مثّلاه. وذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضعفة تأتى للتكرير ، نحو الزعزعة ، والقلقلة ، والصلصلة ، والقعقعة ، والصعصعة (٢) والجرجرة والقرقرة ووجدت أيضا (الفعلى) فى المصادر والصفات إنما تأتى للسرعة ، نحو البشكى ، والجمزى والولقى ... فجعلوا المثال المكرر للمعنى المكرر ـ أعنى باب القلقلة ـ والمثال الذى توالت حركاته للأفعال التى توالت الحركات فيها» (٣).
يلمح ابن جنى فى هذا النص ما بين البنية الصوتية لهذه المصادر الرباعية المضعفة ومعناها من المناسبة ، إذ إن هذه المصادر بما اشتملت عليه من تضعيف وتكرير تناسب ما تدل عليه معانيها من التكرير المشترك بين ألفاظ تلك البنى مما يضيف إلى معناها المعجمى معنى آخر تضيفه دلالتها الصوتية.
كما يلمح ابن جنى كذلك ما بين (الفعلى) من تكرار الحركات وتلاحقها وتتابعها وما تدل عليه من معنى السرعة والتتابع وتوالى الحركات فى الفعل كما توالت الحركات فى النطق.
يقول ابن جنى : «ومن ذلك ـ وهو أصنع منه ـ أنهم جعلوا (استفعل) فى أكثر الأمر للطلب ، نحو استسقى ، واستطعم ، واستوهب ، واستمنح ، واستقدم عمرا ، واستصرخ جعفرا ، فرتبت فى هذا الباب الحروف على ترتيب الأفعال. وتفسير ذلك أن الأفعال المحدث عنها أنها وقعت عن غير طلب تفجأ حروفها الأصول ، أو ما ضارع بالصيغة (٤) الأصول.
فالأصول نحو قولهم : طعم ووهب ، ودخل وخرج ، وصعد ونزل فهذا إخبار بأصول فاجأت عن أفعال وقعت ، ولم يكن معها دلالة تدل على طلب لها ولا إعمال فيها وكذلك ما تقدمت الزيادة فيه على سمت الأصل ، نحو أحسن ، وأكرم ، وأعطى وأولى. فهذا من طريقة الصنعة (الصيغة) بوزن الأصل فى نحو دحرج ، وسرهف ، وقوقى ، وزوزى ، وذلك أنهم جعلوا هذا الكلام عبارات عن هذه المعانى ، فكلما
__________________
(١) فى الأصل حداه. وفى الهامش عن بعض النسخ (حذياه).
(٢) الصعصعة : التحريك والقلقلة ، اللسان / صعصع.
(٣) الخصائص ٢ / ١٥٣.
(٤) كذا بالأصل ، وفى بعض النسخ (بالصنعة).