يقول من تطرق أسماعه |
|
كم ترك الأوّل للآخر! (١) |
فممّا جاز خلاف الإجماع الواقع فيه منذ بدئ هذا العلم وإلى آخر هذا الوقت ، ما رأيته (٢) أنا فى قولهم : هذا جحر ضبّ خرب. فهذا يتناوله آخر عن أوّل ، وتال عن ماض على أنه غلط من العرب ، لا يختلفون فيه ولا يتوقّفون عنه ، وأنه من الشاذّ الذى لا يحمل عليه ، ولا يجوز ردّ غيره إليه.
وأمّا أنا فعندى أنّ فى القرآن مثل هذا الموضع نيّفا على ألف موضع. وذلك أنه على حذف المضاف لا غير. فإذا حملته على هذا الذى هو حشو الكلام من القرآن والشعر ساغ وسلس ، وشاع وقبل.
وتلخيص هذا أن أصله : هذا جحر ضبّ خرب جحره ؛ فيجرى «خرب» وصفا على «ضبّ» وإن كان فى الحقيقة للجحر. كما تقول مررت برجل قائم أبوه (٣) ، فتجرى «قائما» وصفا على «رجل» وإن كان القيام للأب لا للرجل ، لما ضمن من ذكره. والأمر فى هذا أظهر من أن يؤتى بمثال له أو شاهد عليه. فلمّا كان أصله كذلك حذف الحجر المضاف إلى الهاء ، وأقيمت الهاء مقامه فارتفعت ؛ لأن المضاف المحذوف كان مرفوعا ، فلمّا ارتفعت استتر الضمير المرفوع فى نفس «خرب» فجرى وصفا على ضبّ ـ وإن كان الخراب للجحر لا للضبّ ـ على تقدير حذف المضاف ، على ما أرينا. وقلّت آية تخلو من حذف المضاف ، نعم ، وربّما كان فى الآية الواحدة من ذلك عدّة مواضع.
وعلى نحو من هذا حمل أبو علىّ رحمهالله :
__________________
(١) هو من قصيدة له فى مدح أبى سعيد ، أولها :
قل للأمير الأريحىّ الذى |
|
كفاه للبادى وللحاضر |
وقبله :
لا زلت من شكرى فى حلة |
|
لابسها ذو سلب فاخر |
فالحديث فى البيت الشاهد عن حلة الثناء فى البيت. وانظر الديوان ١٤٣. (نجار).
(٢) ينبّه ابن هشام فى المغنى فى القاعدة الثانية من الكتاب الثامن «أنكر السيرافى وابن جنى الخفض على الجوار وتأولا قولهم «خرب» بالجر على أنه صفة «لضب».
(٣) أى ضميره. يريد أن المسوّغ لمجيء قائم وصفا للرجل وهو ليس بوصف له فى الحقيقة ، بل الموصوف حقيقة الأب ، هو تضمن الأب ذكر الرجل. (نجار).