وسرهف ... إلخ.
أما ما دل على سعى وتسبب وتعمل تقدمه ، فهذا يحتاج إلى أحرف تتقدم على الأصول لتشعر بما تقدم الفعل من سعى وتسبب وتعمل فلما كانت إذا فاجأت الأفعال فاجأت أصول الصيغ الدالة عليها أو ما جرى مجرى أصولها نحو وهب ، ومنح ، وأكرم ، وأحسن ، كذلك إذا أخبرت بأنك سعيت فيها وتسببت لها وجب أن تقدم أمام حروفها الأصول فى صيغها الدالة عليها أحرفا زائدة على تلك الأصول تكون كالمقدمة لها ، والمؤدية إليها.
ويزيد ابن جنى فى بيان المناسبة بين الأصوات والمعانى فيقول : «ومن ذلك أنهم جعلوا تكرير العين فى المثال (١) دليلا على تكرير الفعل ، فقالوا : كسّر ، وقطّع ، فتّح ، وغلّق ، وذلك أنهم لما جعلوا الألفاظ دليلة المعانى فأقوى اللفظ ينبغى أن يقابل به قوة الفعل ، والعين أقوى من الفاء واللام ؛ وذلك لأنها واسطة لهما ، ومحفوفة بهما ، فصارا كأنهما سياج لها ، ومبذولان للعوارض دونها.
ولذلك نجد الإعلال بالحذف فيهما دونهما ... فلما كانت الأفعال دليلة المعانى كرروا أقواها ، وجعلوه دليلا على قوة المعنى المحدث به ، وهو تكرير الفعل ، كما جعلوه دليلا على قوة المعنى المحدث به ، وهو تكرير الفعل ، كما جعلوا تقطيعه فى نحو : صرصر وحقحق دليلا على تقطيعه ...» (٢).
لقد استطاع ابن جنى فى هذا النص السابق أن يكشف لنا عن المناسبة الوثيقة بين صيغة (فعل) بما لها من سمات صوتية ودلالتها على التكرار فى الحدث.
ويكشف ابن جنى كذلك عن العلاقة بين المبنى والمعنى من حيث الزيادة والنقص فى كل منهما فيقول : «وقد أتبعوا اللام فى باب المبالغة العين ، وذلك إذا كررت العين معها فى نحو : دمكمك وصمحمح وعركرك وعصبصب وعشمشم ، والموضع فى ذلك للعين ، وإنما ضامتها اللام هنا تبعا لها ولا حقة بها ، ألا ترى إلى ما جاء عنهم للمبالغة فى نحو اخلولق ، اعشوشب ، واغدودن ، واحمومى ، واذلولى ، واقطوطى ، وكذلك فى
__________________
(١) يقصد بالمثال هنا (الصيغة) كما هو واضح من النص ، وكما توصلت إليه بالاستقراء للمواضع التى عبر فيها عن الصيغة بالمثال فانظر على سبيل المثال ٢ / ١٥٥ / ١٥٧ ، ٣ / ٩٨ ، ١٨٨.
(٢) الخصائص ٢ / ١٥٥.