أحدهما أن الحذف اتّساع ، والاتّساع بابه آخر الكلام وأوسطه ، لا صدره وأوّله ؛ ألا ترى أن من اتّسع بزيادة (كان) حشوا أو آخرا لا يجيز زيادتها أوّلا ، وأن من اتّسع بزيادة (ما) حشوا وغير أوّل لم يستجز زيادتها أولا إلا فى شاذّ من القول ؛ نحو قوله :
وقدما هاجنى فازددت شوقا |
|
بكاء حمامتين تجاوبان (١) |
فيمن رواه (وقدما) بزيادة (ما) على أنه يريد : وقد هاجنى ، لا فيمن رواه فقال : (وقدما هاجنى) أى وقديما هاجنى.
والآخر أنه لو كان تقديره : الناقة وراكب الناقة طليحان ، لكان قد حذف حرف العطف وبقّى المعطوف به ؛ وهذا شاذّ ، إنما حكى منه أبو عثمان عن أبى زيد : أكلت لحما ، سمكا ، تمرا ، وأنشد أبو الحسن :
كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا |
|
يزرع الودّ فى فؤاد الكريم (٢) |
وأنشد ابن الأعرابى :
وكيف لا أبكى على علاتى |
|
صبائحى غبائقى قيلاتى (٣) |
وهذا كله شاذّ ، ولعلّه جميع ما جاء منه. وأما على القول الآخر ، فإنه ـ لعمرى ـ قد حذف حرف العطف مع المعطوف به ، وهذا ما لا بدّ منه ؛ ألا ترى أنه إذا حذف المعطوف لم يجز أن يبقى الحرف العاطفة قبله بحاله ؛ لأن حرف العطف لا يجوز تعليقه. فإن قلت فقد قال (٤) :
قد وعدتنى أمّ عمرو أن تا |
|
تدهن رأسى وتفلّينى وا |
__________________
(١) البيت لجحدر فى لسان العرب (جوب) ، وتاج العروس (جوب) ، ويروى :
ومما زادنى فاهتجت شوقا |
|
غناء حمامتين تجاوبان |
(٢) البيت بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٨ / ١٣٤ ، والدرر ٦ / ١٥٥ ، وديوان المعانى ٢ / ٢٢٥ ، ورصف المبانى ص ٤١٤ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٤٣١ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٤٠.
(٣) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (صبح) ، (غبق) ، (قيل) ، وتهذيب اللغة ٤ / ٢٦٦ ، ٩ / ٣٠٥ ، ١٦ / ١٥١ ، وديوان الأدب ٣ / ٣١٢ ، وتاج العروس (غبق) ، (قيل).
(٤) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (نتا) ، (قنف) ، (فلا).