وذلك أن فاعل (نعم) مظهر فلا حاجة به إلى أن يفسّر ، فهذا يسقط اعتراض محمد بن يزيد عن صاحب الكتاب فى هذا الموضع.
واعلم أن الشاعر إذا اضطرّ جاز له أن ينطق بما يبيحه القياس ، وإن لم يرد به سماع. ألا ترى إلى قول أبى الأسود :
ليت شعرى عن خليلى ما الذى |
|
غاله فى الحبّ حتى ودعه (١) |
وعلى ذلك قراءة بعضهم (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى : ٣] بالتخفيف أى ما تركك. دلّ عليه قوله (وما قلى) لأن الترك ضرب من القلى ، فهذا أحسن من أن يعلّ باب استحوذ واستنوق الجمل ؛ لأن استعمال (ودع) مراجعة أصل ، وإعلال استحوذ واستنوق ، ونحوهما من المصحّح ترك أصل ، وبين مراجعة الأصول إلى تركها ما لاخفاء به.
واعلم أن استعمال ما رفضته العرب لاستغنائها بغيره جار فى حكم العربيّة مجرى اجتماع الضدّين على المحلّ الواحد فى حكم النظر. وذلك أنهما إذا كانا يعتقبان فى اللغة على الاستعمال جريا مجرى الضدّين اللذين يتناوبان المحلّ الواحد. فكما لا يجوز اجتماعهما عليه ، فكذلك لا ينبغى أن يستعمل هذان ، وأن يكتفى بأحدهما عن صاحبه ؛ كما يحتمل المحلّ الواحد الضدّ الواحد دون مراسله.
ونظير ذلك فى إقامة غير المحلّ مقام المحلّ ما يعتقدونه فى مضادّة الفناء للأجسام. فتضادّهما إنما هو على الوجود لا على المحلّ ؛ ألا ترى أن الجوهر لا
__________________
(١) البيت من الرمل ، وهو لأبى الأسود الدؤلى فى ملحق ديوانه ص ٣٥٠ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٧٧ ، والإنصاف ٢ / ٤٨٥ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٥٠ ، والشعر والشعراء ٢ / ٧٣٣ ، والمحتسب ٢ / ٣٦٤ ، ولأنس بن زنيم فى حماسة البحترى ص ٢٥٩ ، وخزانة الأدب ٦ / ٤٧١ ، ولأبى الأسود أو لأنس فى لسان العرب (ورع) وبلا نسبة فى شرح شافية ابن الحاجب ١ / ١٣١ ، وشرح شواهد الشافية ص ٥٠.