يحلّ الجوهر بل يتضمنه فى حال التضادّ الوجود لا المحلّ. فاللغة فى هذه القضيّة كالوجود ، واللفظان المقام أحدهما مقام صاحبه ، كالجوهر وفنائه ، فهما يتعاقبان على الوجود لا على المحلّ ، كذلك الكلمتان تتعاقبان على اللغة والاستعمال. فاعرف هذا إلى ما قبله.
وأجاز أبو الحسن ضرب الضرب الشديد زيدا ، ودفع الدفع الذى تعرف إلى محمد دينارا ، وقتل القتل يوم الجمعة أخاك ، ونحو هذه من المسائل. ثم قال : هو جائز فى القياس ، وإن لم يرد به الاستعمال.
فإن قلت فقد قال :
ولو ولدت قفيرة جرو كلب |
|
لسبّ بذلك الجرو الكلابا (١) |
فأقام حرف الجرّ ومجروره مقام الفاعل وهناك مفعول به صحيح ، قيل هذا من أقبح الضرورة ، ومثله لا يعتدّ أصلا ، بل لا يثبت إلا محتقرا شاذّا.
وأمّا قراءة من قرأ (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء : ٨٨] فليس على إقامة المصدر مقام الفاعل ونصب المفعول الصريح ، لأنه عندنا على حذف إحدى نونى (ننجّى) كما حذف ما بعد حرف المضارعة فى قول الله سبحانه (يَتَذَكَّرُونَ) أى تتذكرون.
ويشهد أيضا لذلك سكون لام (نجّى) ولو كان ماضيا لانفتحت اللام إلا فى الضرورة. وعليه قول المثقّب العبدىّ :
لمن ظعن تطالع من ضبيب |
|
فما خرجت من الوادى لحين (٢) |
أى تتطالع فحذف الثانية ، على ما مضى.
وما يحتمله القياس ولم يرد به السماع كثير. منه القراءات التى تؤثر رواية ولا تتجاوز ؛ لأنها لم يسمع فيها ذلك ؛ كقوله ـ عزّ اسمه ـ بسم الله الرحمن
__________________
(١) البيت لجرير فى خزانة الأدب ١ / ٣٣٧ ، والدرر (٢ / ٢٩٢) ، وشرح المفصل ٧ / ٧٥ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٢.
(٢) البيت من الوافر ، وهو للمثقب فى ديوانه ص ١٤٢ ، ولسان العرب (نجا) ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٢٤٧ ، ومعجم البلدان ٣ / ٣٩٢ (صبيب). ويروى : حبيب بدلا من ضبيب. ضبيب : اسم واد. اللسان (ضبب).